تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال ابن القيم (إذا تفقه الرجل وقرأ كتاباً من كتب الفقه أو أكثر وهو مع ذلك قاصر في معرفة الكتاب والسنة وآثار السلف والاستنباط والترجيح فهل يسوغ تقليده في الفتوى؟ فيه للناس أربعة أقوال: الجواز مطلقاً، والمنع مطلقاً، والجواز عند عدم المجتهد ولايجوز مع وجوده، والجواز إن كان مُطلعاً على مأخذ من يفتي بقولهم والمنع إن لم يكن مطلعاً.

والصواب فيه التفصيل، وهو أنه إن كان السائل يمكنه التوصل إلى عالم يهديه السبيل لم يحل له استفتاء مثل هذا، ولايحل لهذا أن ينسب نفسه للفتوى مع وجود هذا العالم، وإن لم يكن في بلده أو ناحيته غيره بحيث لايجد المستفتي من يسأله سواه فلا ريب أن رجوعه إليه أولى من أن يقدم على العمل بلا علم، أو يبقى مرتبكا في حيرته مترددا في عماه وجهالته، بل هذا هو المستطاع من تقواه المأمور بها.

ونظير هذه المسألة إذا لم يجد السلطان من يوليه إلا قاضياً عارياً من شروط القضاء لم يعطل البلد عن قاض وولي الأمثل فالأمثل. ــ إلى أن قال: ــ

وكلام أصحاب أحمد في ذلك يخرج على وجهين، فقد منع كثير منهم الفتوى والحكم بالتقليد، وجوزه بعضهم لكن على وجه الحكاية لقول المجتهد كما قال أبو إسحاق بن شاقلا ــ وقد جلس في جامع المنصور فذكر قول أحمد أن المفتي ينبغي له أن يحفظ أربعمائة ألف حديث ثم يفتي ــ فقال له رجل: أنت تحفظ هذا؟ فقال: إن لم أحفظ هذا فأنا أفتي بقول من كان يحفظه، وقال أبو الحسن بن بشار من كبار أصحابنا: ماضر رجلا عنده ثلاث مسائل أو أربع من فتاوي الإمام أحمد يستند إلى هذه السارية ويقول: قال أحمد ابن حنبل.) (اعلام الموقعين) جـ 4 صـ 196 ــ 198.

فهذا مايتعلق بحكم إفتاء هذا القسم.

المرتبة الخامسة: من كان عنده كتب الحديث أو بعضها، هل يجوز له أن يفتي؟

ذهب ابن القيم رحمه الله إلى جواز إفتاء من كانت عنده كتب الحديث بشرطين:

1 ــ أن يكون له بصر بالتفريق بين الحديث المقبول والمردود، إما بنفسه وإما بسؤال غيره.

2 ــ أن تكون دلالة الحديث ظاهرة بيِّنة لكل من سمعه لايحتمل غير هذه الدلالة.

فإذا انخرم أحد هذين الشرطين، فليس له أن يفتي بالحديث قبل أن يسأل أهل العلم.

وهناك شرط آخر ينبغي أن يضاف هنا، وهو ماذكره ابن الصلاح وابن القيم في المرتبة السابقة (وهو أنه إن كان السائل يمكنه التوصل إلى عالم يهديه السبيل لم يحلّ له استفتاء مثل هذا، ولايحل لهذا أن ينسب نفسه للفتوى مع وجود هذا العالم) (اعلام الموقعين) جـ 4 صـ 196. فإفتاؤه إنما جاز للضرورة.

أما الشرط الأول فذكره ابن القيم في قوله (وقال عبدالله بن أحمد: سألت أبي عن الرجل عنده الكتب المصنفة فيها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين، وليس للرجل بَصَر بالحديث الضعيف المتروك ولا الإسناد القوي من الضعيف، فيجوز أن يعمل بما شاء ويتخير منها فيفتي به ويعمل به، قال: لايعمل حتى يسأل مايؤخذ به منها فيكون يعمل على أمر صحيح، يسأل عن ذلك أهل العلم.) (اعلام الموقعين) جـ 4 صـ 206. وذكره الخطيب البغدادي بإسناده في (الفقيه والمتفقه) جـ 2 صـ 98.

وأما الشرط الثاني فذكره ابن القيم في قوله (إذا كان عند الرجل الصحيحان أو أحدهما أو كتاب من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم موثوق بما فيه، فهل له أن يفتي بما يجده فيه؟

فقالت طائفة من المتأخرين: ليس له ذلك، لأنه قد يكون منسوخاً، أو له معارض، أو يفهم من دلالته خلاف مايدل عليه، أو يكون أمر ندب فيفهم منه الايجاب، أو يكون عاما له مخصص، أو مطلقاً له مقيد، فلا يجوز له العمل ولا الفتيا به حتى يسأل أهل الفقه والفتيا.

وقالت طائفة: بل له أن يعمل به، ويفتي به، بل يتعين عليه، كما كان الصحابة يفعلون، إذا بلغهم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحَدَّث به بعضهم بعضا بادروا إلى العمل به من غير توقف ولابحث عن معارض، ولايقول أحد منهم قط: هل عمل بهذا فلان وفلان؟ ولو رأوا من يقول ذلك لأنكروا عليه أشد الإنكار، وكذلك التابعون، وهذا معلوم بالضرورة لمن له أدنى خبرة بحال القوم وسيرتهم، وطولُ العهد بالسنة وبُعْدُ الزمان وعتقها لايسوغ ترك الأخذ بها والعمل بغيرها، ولو كانت سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم لايسوغ العمل بها بعد صحتها حتى يعمل بها فلان أو فلان لكان قول فلان أو فلان عيارا على السنن، ومُزَكِّياً

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير