تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذه الطريقة غيرُ مرضية، والآية في حفظ القرآن في التحريف والتبديل، والتصريف والتحويل، وقد وردت أخبار في انطواء الشريعة، وانطماس شرائع الإسلام، واندراس معالم الأحكام، بقبض العلماء، وقد قال صلى الله عليه وسلم «سيقبض العلم حتى يختلف الرجلان في فريضة، ولا يجدان من يعرف حكم الله تعالى فيها» ــ إلى أن قال ــ فإن فُرض ذلك قَدَّمنا على غرضنا من ذلك صورة ً. وهى أن طائفة في جزيرة من الجزائر، لو بلغتهم الدعوة، ولاحت عندهم دلالة النبوة، فاعترفوا بالوحدانية والنبوة، ولم يقفوا على شئ من أصول الأحكام، ولم يستمكنوا من المسير إلى علماء الشريعة، فالعقول على مذاهب أهل الحق لا تقتضي التحريم والتحليل، وليس عليها في مدرك قضايا التكليف تعويل ــ إلى أن قال ــ فمقدارُ الغرض فيه الآن أن الذين فرضنا الكلام فيهم لايلزمهم إلا اعتقاد التوحيد ونبوة النبي المبتعث، وتوطين النفس على التوصل إليه في مستقبل الزمان، مهما صادفوا أسباب الإمكان، ولسنا ننكر أن عقولهم تستحثهم في قضيات الجبلات على الانكفاف عن مقتضيات الردي، والانصراف عن موجبات التَّوي ولكنا لانقضي بأن حكم الله عليهم موجبُ عقولهم.

فننعطف الآن على غرضنا، ونقول: إذا درست فروعُ الشريعة وأصولُها، ولم يبق معتصم يُرجع إليه، ويعول عليه، انقطعت التكاليف عن العباد، والتحقت أحوالهم بأحوال الذين لم تبلغهم دعوة، ولم تُنط بهم شريعة) أهـ (الغياثي) للجويني، تحقيق د. عبدالعظيم الديب، ط 2، 1401هـ، صـ 523 ــ 526.

وقال ابن الصلاح رحمه الله (إذا لم يجد صاحب الواقعة مفتياً ولا أحداً ينقل له حكم واقعته، لا في بلده ولا في غيره فماذا يصنع؟ قلت: هذه مسألة فترة الشريعة الأصولية، والسبيل في ذلك كالسبيل فيما قبل ورود الشرائع، والصحيح في كل ذلك القول بانتفاء التكليف عن العبد، فإنه لايثبت في حقه حكم، لا إيجاب، ولا تحريم، ولاغير ذلك، فلا يوأخذ إذن صاحب الواقعة بأي شئ صنعه فيها، وهذا مع تقرره بالدليل المعنوي الأصولي، يشهد له حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يدرس الإسلام كما يدرس وشيُ الثوب، حتى لا يدري ما صيام، ولا صلاة، ولا نسك، ولاصدقة، ويُسري على كتاب الله تعالى في ليلة. فلا يبقى في الأرض منهُ آية، وتبقى طوائف من الناس، الشيخ الكبير، والعجوز الكبيرة، يقولون: أدركنا آبائنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله، فنحن نقولها» فقال صلة بن زفر، لحذيفة: «فما تُغني عنهم لا إله إلا الله، وهم لا يدرون ما صلاة، ولا صيام ولا نسك، ولا صدقة؟ فأعرض عنه حذيفة، فردها عليه ثلاثاً، كل ذلك يُعرض عنه حذيفة، ثم أقبل عليه في الثالثة، فقال: ياصلة! تنجيهم من النار، تنجيهم من النار»، رواه أبو عبدالله ابن ماجة في «سننه».

والحاكم أبو عبدالله الحافظ في «صحيحه». وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. والله أعلم) (أدب المفتي) صـ 105 ــ 106، ونقله عنه النووي في (المجموع) جـ 1 صـ 58. هذا وقد وافق الذهبي الحاكم في تصحيح حديث حذيفة، وقال الحافظ ابن حجر: رواه ابن ماجة بسند قوي عن حذيفة (فتح الباري) 13/ 61.

وقال الشاطبي رحمه الله (يسقط عن المستفتي التكليف بالعمل عند فقد المفتي، إذا لم يكن له به علم لا من جهة اجتهاد معتبر ولا من تقليد: والدليل على ذلك أمور:

«أحدها» أنه إذا كان المجتهد يسقط عنه التكليف عند تعارض الأدلة عليه على الصحيح ــ حسبما تبين في موضعه من الأصول ــ فالمقلد عند فقد العلم بالعمل رأسا أحق وأولى.

«والثاني» أن حقيقة هذه المسألة راجعة إلى العمل قبل تعلق الخطاب. والأصل في الأعمال قبل ورود الشرائع سقوط التكليف، إذ لاحكم عليه قبل العلم بالحكم، إذ شرط التكليف عند الأصوليين العلم بالمكلف به، وهذا غير عالم بالفرض، فلا ينتهض سببه على حال.

«والثالث» أنه لو كان مكلفا بالعمل لكان من تكليف مالا يُطاق، إذ هو مكلف بما لا يعلم، ولا سبيل له إلى الوصول إليه، فلو كلف به لكلف بما لا يقدر على الامتثال فيه، وهو عين المحال إما عقلا وإما شرعاً والمسألة بَيِّنة) (الموافقات) جـ 4 صـ 291.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير