تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال ابن القيم رحمه الله (إذا نزلت بالعامي نازلة وهو في مكان لايجد من يسأله عن حكمها ففيه طريقان للناس، أحدهما: أن له حكم ماقبل الشرع، على الخلاف في الحظر والإباحة والوقف، لأن عدم المرشد في حقه بمنزلة عدم المرشد بالنسبة إلى الأمة. والطريقة الثانية: أنه يخرج على الخلاف في مسألة تعارض الأدلة عند المجتهد، هل يعمل بالأخف أو بالأشد أو يتخير؟. والصواب أنه يجب عليه أن يتقي الله مااستطاع، ويتحرى الحق بجهده ومعرفة مثله، وقد نصب الله تعالى على الحق أمارات كثيرة، ولم يسوِّ الله سبحانه وتعالى بين مايحبه وبين مايسخطه من كل وجه بحيث لايتميز هذا من هذا، ولابد أن تكون الفطر السليمة مائلة إلى الحق، مؤثرة له، ولابد أن يقوم لها عليه بعض الأمارات المرجحة ولو بمنام أو بإلهام، فإن قدر ارتفاع ذلك كله وعدمت في حقه جميع الأمارات فهنا يسقط التكليف عنه في حكم هذه النازلة، ويصير بالنسبة إليها كمن لم تبلغه الدعوة، وإن كان مكلفاً بالنسبة إلى غيره، فأحكام التكليف تتفاوت بحسب التمكن من العلم والقدرة، والله أعلم) (اعلام الموقعين) جـ 4 صـ 219 ــ220.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (وفي أوقات الفترات، وأمكنة الفترات: يُثاب الرجل على مامعه من الإيمان القليل، ويغفر الله فيه لمن لم تقم الحجة عليه مالا يغفر به لمن قامت الحجة عليه، كما في الحديث المعروف: «يأتي على الناس زمان لايعرفون فيه صلاة، ولاصياما، ولاحجا، ولاعمرة، إلا الشيخ الكبير، والعجوز الكبيرة. ويقولون: أدركنا آباءنا وهم يقولون لا إله إلا الله» فقيل لحذيفة بن اليمان: ماتغني عنهم لا إله إلا الله؟ فقال: تنجيهم من النار.) (مجموع الفتاوي) جـ 35 صـ 165. وذكر شيخ الإسلام مثله في (مجموع الفتاوي) جـ 11 صـ 407 ــ 408.

وقال ابن تيمية أيضا: (وبالجملة لا خلاف بين المسلمين أن من كان في دار الكفر وقد آمن وهو عاجز عن الهجرة لا يجب عليه من الشرائع ما يعجز عنها بل الوجوب بحسب الامكان، وكذلك مالم يعلم حكمه، فلو لم يعلم أن الصلاة واجبة عليه وبقي مدة لم يُصَلِّ لم يجب عليه القضاء في أظهر قولي العلماء، وهذا مذهب أبي حنيفة وأهل الظاهر، وهو أحد الوجهين في مذهب أحمد.

وكذلك سائر الواجبات من صوم شهر رمضان وأداء الزكاة وغير ذلك. ولو لم يعلم تحريم الخمر فشربها لم يُحَدّ باتفاق المسلمين، وإنما اختلفوا في قضاء الصلوات. وكذلك لو عَامَل بما يستحله من ربا أو مَيْسر ثم تبين له تحريم ذلك بعد القبض: هل يفسخ العقد أم لا؟ كما لانفسخه لو فعل ذلك قبل الإسلام. وكذلك لو تزوج نكاحا يعتقد صحته على عادتهم، ثم لما بلغته شرائع الإسلام رأى أنه قد أخل ببعض شروطه، كما لو تزوج في عدة وقد انقضت، فهل يكون هذا فاسداً أو يقر عليه؟ كما لو عقده قبل الإسلام ثم أسلم.

وأصل هذا كله أن الشرائع هل تلزم من لم يعلمها أم لاتلزم أحداً إلا بعد العلم؟ أم يفرق بين الشرائع الناسخة والمبتدأة؟ هذا فيه ثلاثة أقوال ــ إلى أن قال ــ والصواب في هذا الباب كله: أن الحكم لايثبت إلا مع التمكن من العلم، وأنه لايقضي مالم يَعلم وجوبه) (مجموع الفتاوي) جـ 19 صـ 225 ــ 226.

فهذه أقوال العلماء في المسألة (مايفعل المستفتي إذا لم يجد من يفتيه البته؟.)، والقول الذي نطمئن إليه هو قول ابن القيم: أن المرء يتقي الله مااستطاع ويفعل مايظنه الحق، فإن عجز عن ذلك فلا تكليف عليه. فابن القيم لم يُسقط عنه التكليف ابتداء وإنما ألزمه بتحري الصواب قبل ذلك. وهذا هو ما تشهد له الأدلة الشرعية كما يلي:

1 ــ فقوله إنه يتقي الله مااستطاع ويتحري الصواب، يشهد له قوله تعالى (فاتقوا الله ما استطعتم) التغابن 16، وقال ابن القيم إن الله قد جعل على الحق أمارات، وهذا يشهد له حديث وابصة بن مَعْبَد مرفوعا (البر مااطمأنت له النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ماحاك في النفس وتردد في الصدر) الحديث، قال النووي في الأربعين: حديث حسن رويناه في مسندي الإمامين أحمد بن حنبل والدارمي بإسناد حسن. أهـ، وتعقبه الحافظ ابن رجب الحنبلي بتضعيف هذا الحديث وبين سبب ضعفه، ثم قال ابن رجب وقد روى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه متعددة وبعض طرقه جيدة فخرجه الإمام أحمد وابن حبان في صحيحه من طريق يحيي بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن جده ممطور عن

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير