تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقوله: (وما يعلِّمان من أحد) بالتشديد، من التعليم.

وقُرىء في الشاذ بسكون العين، من الإعلام، بناء على أنَّ التضعيف يتعاقب مع الهمزة.

وذلك أن الملكين لا يعلمان الناس السحر؛ بل يعلمانهم به، ونيهيانهم عنه.

والأول أشبه.

وقد قال علي: ((الملكان يعلمان تعليم انذار لا تعليم طلب)).

@ وقال رحمه الله في القول المسدد (ص/39) عن أسانيد ومرويات هذه القصة: " وله طرق كثيرة جمعتها في جزء مفرد، يكاد الواقف عليه أن يقطع وقوع هذه القصة لكثرة الطرق الواردة فيها وقوة مخارج أكثرها، والله أعلم ".

@ قال أبو عمر: نعم .. كثرة الأحاديث وكثرة طرقها الواردة في قصة هاروت وماروت تدلَّ على أنه قد يكون له أصل.

لكن .. أي أصل هو؟

هل هو الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلَّم، أو الوقف إلى ابن عمر رضي الله عنه وغيره.

وهؤلاء بدورهم أخذوه من أخبار بني إسرائيل؟!

وسيأتي من كلام الحافظ ابن كثير رحمه الله ما يؤيِّد هذا.

@ وقال القرطبي في تفسيره عند كلامه على مرويات هذه القصة: " قلنا: هذا كله ضعيف، وبعيد عن ابن عمر وغيره، لا يصح منه شئ.

فإنه قول تدفعه الأصول في الملائكة الذين هم أمناء الله على وحيه، وسفراؤه إلى رسله، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون، يسبحون الليل والنهار لا يفترون.

وأما العقل فلا ينكر وقوع المعصية من الملائكة، ويوجد منهم خلاف ما كلفوه، ويخلق فيهم الشهوات.

إذ في قدرة الله تعالى كل موهوم، ومن هذا خوف الأنبياء والأولياء الفضلاء العلماء.

لكن وقوع هذا الجائز لا يدرك إلاَّ بالسمع ولم يصح! ".

@ وقال أيضاً في تفسير الآية: " قال الزجاج: وروي عن علي رضي الله عنه قال: أي والذي أنزل على الملكين، وأن الملكين يعلمان الناس (تعليم إنذار من السحر)، لا تعليم دعاء إليه.

قال الزجاج: وهذا القول الذي عليه أكثر أهل اللغة والنظر.

ومعناه: أنهما يعلمان الناس على النهي؛ فيقولان لهم: لا تفعلوا كذا، ولا تحتالوا بكذا؛ لتفرقوا بين المرء وزوجه.

والذي أنزل عليهما هو النهي.

كأنه: (قولا للناس لا تعلموا كذا)، فيعلمان بمعنى يعلمان كما قال: (ولقد كرمنا بني آدم)؛ أي: أكرمنا ".

وقال ابن كثير في تفسيره: " وقال أبو العالية لم ينزل عليهما السحر يقول علما الإيمان والكفر فالسحر من الكفر فهما ينهيان عنه أشد النهي رواه ابن أبي حاتم ثم شرع ابن جرير في رد هذا القول وأن بمعنى الذي وأطال القول في ذلك وادعى أن هاروت وماروت ملكان أنزلهما الله إلى الأرض وأذن لهما في تعليم السحر اختبارا لعباده وامتحانا بعد أن بين لعباده أن ذلك مما ينهى عنه من ألسنة الرسل وادعى أن هاروت وماروت مطيعان في تعليم ذلك لأنهما امتثلا ما أمرا به وهذا الذي سلكه غريب جداً.

وأغرب منه قول من زعم أن هاروت وماروت قبيلان من الجن؛ كما زعمه ابن حزم ... ".

- وقال ابن كثير أيضاً بعد أن نقل بعد المرويات في هذه قصة: " وهذان أيضا غريبان جداً!

وأقرب ما يكون في هذا أنه من رواية عبد الله بن عمر عن كعب الأحبار، لا عن النبي صلى الله عليه وسلم.

كما قال عبد الرزاق في تفسيره عن الثوري عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر عن كعب الأحبار قال: (ذكرت الملائكة أعمال بني آدم، وما يأتون من الذنوب، فقيل لهم: اختاروا منكم اثنين، فاختاروا هاروت وماروت، فقال لهما: إني أرسل إلى بني آدم رسلاً، وليس بيني وبينكم رسولاً، انزلا لا تشركا بي شيئاً، ولا تزنيا، ولا تشربا الخمر.

قال كعب: فوالله ما أمسيا من يومهما الذي أهبطا فيه حتى استكملا جميع ما نهيا عنه).

رواه ابن جرير من طريقين عن عبد الرزاق به.

ورواه ابن أبي حاتم عن أحمد بن عصام عن مؤمل عن سفيان الثوري به.

ورواه ابن جرير أيضا حدثني المثنى أخبرنا المعلى وهو ابن أسد أخبرنا عبد العزيز بن المختار عن موسى بن عقبة حدثني سالم أنه سمع عبد الله يحدث عن كعب الأحبار فذكره.

@ فهذا أصح وأثبت إلى عبد الله بن عمر من الإسنادين المتقدمين، وسالم أثبت في أبيه من مولاه نافع.

فدار الحديث ورجع إلى نقل كعب الأحبار عن كتب بني إسرائيل والله أعلم ".

@ وذكر أبو محمد ابن حزم في المحلى (11/ 398 - 399) تأويلاً جيداً آخر لموضع الإشكال في الآية، قال رحمه الله: " إنما في هذا الكلام النهي عن الكفر جملة، ولم يقولا: (فلا تكفر بعلمك السحر، ولا يعلمك السحر).

هذا ما لا يفهم من الآية أصلاً.

وهكذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض) إنما هو نهي أن يكفروا ابتداء، وعن أن يرتدوا فقط، لا أنهم بقتل بعضهم بعضاً يكونون كفاراً، وهذا بيَّن لا خفاء به، وبالله تعالى التوفيق.

وكل من أقحم في هذه الآية أن قوله تعالى حاكياً عن القائلين: (إنما نحن فتنة فلا تكفر) أنَّ مرادهما: لا تكفر بتعلمك ما نعلمك = فقد كذب، وزاد في القرآن ما ليس فيه، وما لا دليل عليه أصلاً ".

@ قال أبو عمر: صدق أبو محمد في قوله، وأصاب بتمسُّكه بظاهر الآية ههنا.


- قال أبو عمر غفر الله وسدَّده لمحابه: لي عودة - إن شاء الله - لتلخيص التلخيص مما تقدَّم.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير