التساهل في الجمع بين الأحاديث وحملها على الكراهة و الاستحباب أمر خطير ربما كان معولا لهدم الشريعه لأن الشريعة تبنى بالتحريم و تهدم بالتحليل. فلو قلنا بأن الزنا مكروه لأتينا عظيمة من العظائم و الصحيح أن تحويل كل محرم يأثم فاعله إلى مكروه لا يأثم فاعله هو تحليل و نقل من الحرام إلى الحلال! لأن الدين إنما يوزن بالحسنة و السيئة! وليس بالإصطلاح و لا أحد ينفي وجود المستحب و المكروه ولكن حمل كل ما أشكل جمعه على ذلك أمر فيه نظر.
والله المستعان ...
ـ[أبو رواحة]ــــــــ[21 - 08 - 05, 11:17 م]ـ
{الإشكال الثاني}
اليمين الغموس , هل يدخل فيها الحلف كذبا على غير مال؟
يقسم الفقهاء اليمين إلى:
- يمين لغو
- يمين منعقدة
- يمين غموس
و لا إشكال عندي في اللغو و لا في في المنعقدة إنما الإشكال في الأخيرة منها
فقد جزم الإمام مالك في الموطأ أن من حلف بالله كاذبا و لو على غير مال بأنها يمين غموس و أنه لا كفارة فيها.
لا أعرف من خالف و قال بأنها ليست غموس غير أني أحسب انها ليست بغموس و لا ينطبق عليها ما ينطبق على الغموس لأسباب:
فالنبي صلى الله عليه و سلم عندما فسر اليمين الغموس فسرها بأنها التي يقتطع بها المال كذبا و ظلما و كذلك فسرها ابن مسعود و كذلك فسرها الشعبي و غيرهم و كفى برسول الله صلى الله عليه و سلم.
عن عبد الله بن أنيس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكبر الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين واليمين الغموس والذي نفسي بيده لا يحلف رجل على مثل جناح بعوضة إلا كانت كيا في قلبه يوم القيامة.
رواه الترمذي وحسنه والطبراني في الأوسط وابن حبان في صحيحه واللفظ له و صححه الألباني و وهو عند الحاكم وصححه على شرطهما و وافقه الذهبي.
و قسم النبي صلى الله عليه و سلم بعد ذكر اليمين الغموس و قوله ما قال هو تفسير لمعنى " اليمين الغموس ": يحلف رجل على مثل جناح بعوضة- أي من مال - الا كانت كيا في قلبه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال:
(خمس ليس لهن كفارة ,الشرك بالله و قتل النفس بغير حق و نهب المؤمن و الفرار يوم الزحف و يمين صابرة يقتطع بها مالا بغير حق) رواه أحمد بسند ضعيف و قال الألباني هو عند ابن أبي عاصم بسند جيد
و اليمين الصابرة هي يمين الصبر أي الحبس التي يحبس فيها الرجل ليقسم ثم فسرها بأنها " يقتطع بها مالا بغير حق " تماما كما فسر اليمين الغموس بل وزاد " لا كفارة فيهن " وهو المعروف عن اليمين الغموس أنه لا كفارة فيها.
أما ابن مسعود رضي الله عنه فقد قال:
كنا نعد من الذنب الذي ليس له كفارة اليمين الغموس قيل وما اليمين الغموس قال الرجل يقتطع بيمينه مال الرجل
رواه الحاكم وقال صحيح على شرطهما ووافقه الألباني.
أما الشعبي فقد ورد تفسيره في البخاري:حدثني محمد بن الحسين بن إبراهيم أخبرنا عبيد الله بن موسى أخبرنا شيبان عن فراس عن الشعبي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال:
: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما الكبائر؟ قال (الإشراك بالله). قال ثم ماذا؟ قال (ثم عقوق الوالدين).قال ثم ماذا؟ قال (اليمين الغموس). قلت وما اليمين الغموس؟ قال (الذي يقتطع مال امرئ مسلم هو فيها كاذب).
فالسائل عن معنى اليمين الغموس فراس و المجيب عامر الشعبي
فهذه تفاسير لليمين الغموس لم يطلق فيها الكذب دون مال بل لم تذكر لفظة " غموس " مفسرة الا وذكر الحلف صبرا على مال و قد ثبت عن الشافعي أنه يرى فيها الكفارة و هي رواية عن أحمد استحبابا فقلت لعل أحمد استحبها في الحلف كذبا ليس على مال فهو يقول بعدمها على المال و باستحبابها على غير مال لأن الكفارة تمحو الذنب و معلوم أن يمين الصبر التي يقتطع بها المال يتعلق بها حق آدمي فلا تكفر الا بأداء الحقوق و لكن تكفير الذنب ليس ممتنع على الحالف بالله كذبا على غير شئ من مال.
وقد ورد في بعض الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قوله " اليمين الفاجرة " بإطلاق فلعله يعني بها الحلف كاذبا على غير مال كما روى البيهقي عن أبي هريرة مرفوعا: (اليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع)
فتكون الأيمان
- يمين لغو = لا تنعقد (لا كفارة فيها)
- يمين منعقدة = تنعقد بإمكان الوفاء و عدمه (فيها الكفارة إن حنث و لا كفارة إن استثنى)
- يمين فاجرة = لا تنعقد لأن الحنث سبق اليمين أو على الأقل رافقها (تحتاج إلى مزيد بحث و لعلها واجبة)
- يمين غموس = تنعقد بما يترتب عليها من ضياع حقوق و لا تنعقد بوفاء و عدمه (لا كفارة فيها)
خلاصة القول: أن إطلاق (لا كفارة في اليمين الغموس) لا يشمل الحلف بالله كاذبا كما دلت هذه الآثار لأنه ثبت تخصيص الغموس بالحلف على المال , والله أعلم.
الإشكال: هل ثبت نص صحيح في وصف الحلف بالله كاذبا على غير مال أنها يمين غموس؟
¥