أي فمن بلغه تحريم الله تعالى للربا ونهيه عنه فترك الربا فوراً بلا تراخ ولا تردد انتهاء عما نهى الله عنه فله ما كان أخذ فيما سلف من الربا لا يكلف رده إلى من أخذه منهم ويكتفى منه بأن لا يضاعف عليهم بعد البلاغ شيئاً (وأمره إلى الله) يحكم فيه بعدله ومن العدل أن لا يؤاخذ بما أكل من الربا قبل التحريم وبلوغه الموعظة من ربه (تفسير المنار 3/ 97 - 98) انتهى – أقول: ولعلنا من هذه النقول نستفيد أن من تاب من الربا وعنده أموال مجتمعة منه- فإن من مقتضى التوبة الإمساك والتوقف عن التعامل بالربا إلى الأبد- ولا يرد الأموال الربوية إلى من أخذها منهم لأن هذا يعينهم على المراباة مع غيره بحيث يستغلونه في ذلك- ولا يأكل هذه الأموال الربوية لأنها من كسب خبيث ولكن يتخلص منها بالتصدق بها أو جعلها في مشاريع خيرية.
وفي الدرر السنية في الأجوبة النجدية (جـ5 ص 71 - 72) جواب للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ – رحمه الله قال فيه: (إذا وقع عقد فاسد في معاملة في الإسلام قد انقضت بالتقابض فيظهر مما قاله شيخ الإسلام رحمه الله في آية الربا في قوله تعالى: (فله ما سلف وأمره إلى الله).
فاقتضى أن السالف للقابض وأن أمره إلى الله ليس للغريم فيه أمر، وذلك أنه لما جاءه موعظة من ربه فانتهى كان مغفرة ذلك الذنب والعقوبة عليه أمره إلى الله إن علم من قلبه صحة التوبة غفر له وإلا عاقبه ثم قال: (اتقوا الله ذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين).
فأمر بترك الباقي ولم يأمر برد المقبوض. وقال (وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تُظلمون).
إلا أنه استثنى منها ما قبض وهذا الحكم ثابت في حق الكافر إذا عامل كافراً بالربا وأسلما بعد القبض وتحاكما إلينا فإن ما قبضه يحكم له به كسائر ما قبضه الكافر بالعقود التي يعتقدون حلها. وأما المسلم فله ثلاثة أحوال- تارة يعتقد حل بعض الأنواع باجتهاد أو تقليد، وتارة يعامل بجهل ولا يعلم أن ذلك ربا محرم، وتارة يقبض مع علمه بأن ذلك محرم.
أما الأول والثاني ففيه قولان إذا تبين له فيما بعد أن ذلك محرم- قيل يرد ما قبض كالغاصب، وقيل لا يرده وهو أصح إذا كان معتقداً أن ذلك حلال، والكلام فيما إذا كان مختلفا فيه مثل الحيل الربوية فإذا كان الكافر إذا تاب يغفر الله ما استحله ويباح له ما قبضه- فالمسلم إذا تاب أولى أن يغفر له إذا كان أخذ بأحد قولي العلماء في حل ذلك فهو في تأويله أعذر من الكافر في تأويله، وأما المسلم الجاهل فهو أبعد، لكن ينبغي أن يكون كذلك فليس هو شراً من الكافر وقد ذكرنا فيما يتركه من الواجبات التي لم يعرف وجوبها هل عليه قضاء- على قولين أظهرهما لا قضاء عليه. إلى أن قال فمن فعل شيئاً لم يعلم أنه محرم ثم علمه لم يعاقب، وإذا عامل بمعاملات ربوية يعتقدها جائزة وقبض منها ثم جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف ولا يكون شراً من الكافر، والكافر إذا غفر له ما قبضه لكونه قد تاب فالمسلم بطريق الأولى والقرآن يدل على هذا بقوله: (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف).
وهذا عام في كل من جاءه موعظة من ربه فانتهى، فقد جعل الله له ما سلف انتهى- لكن هذا الكلام ينصب على الكافر إذا أسلم وعنده أموال قد قبضها بطريق التعامل الربوي- والمسلم الذي تعامل ببعض المعاملات المختلف فيها هل هي من الربا أولا أو لكونه يجهل الربا وقبض بموجبها مالاً تحصل لديه ثم تبين له أنها من الربا وتاب منها- وتبقى قضية المسلم الذي تعامل بالربا متعمدا وهو يعلم أنه ربا ثم تاب منه وقد تحصل لديه منه مال فهذا موضع الإشكال- ولعل الحل لهذا الإِشكال أن يتصدق به ولا يرده للمرابين- كما ذكره ابن القيم في الكلام الذي نقلناه عنه في مهر البغي، والله أعلم
اهـ
ـ[أبو حفص السكندرى]ــــــــ[30 - 11 - 05, 05:49 م]ـ
جزاكم الله خيرا شيخنا الكريم ولكن عندى إشكال
قال الله تعالى (فله ما سلف) تدل على أن له ما عنده من مال ولم تحدد الأية طريقة معينة للتصرف فيه
فلما قال بن القيم لأنه لا يطيب له أكله وما الدليل عليه؟، و هل التخلص من المال فى صدقة أو منفعة عامة واجب أم انه مستحب؟
أيضا البعض يمنع أن تخرجه كصدقة و يقول (تخلص منه فى منفعة عامة) فما الفارق إذا كان المتصدق عليه لا يعلم أنه حرام؟ ... وعذرا للإثقال.
¥