وفي الموطأ: (قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مُعَجِّلًا أَوْ مُؤَخِّرًا وَهُوَ يَنْوِي بِذَلِكَ غُسْلَ الْجُمُعَةِ فَأَصَابَهُ مَا يَنْقُضُ وُضُوءَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا الْوُضُوءُ وَغُسْلُهُ ذَلِكَ مُجْزِئٌ عَنْهُ).
قال الإمام الباجي: (قَوْلُهُ مُعَجِّلًا أَوْ مُؤَخِّرًا يُرِيدُ بِالتَّعْجِيلِ أَنْ يُعَجِّلَ غُسْلَهُ وَرَوَاحَهُ وَالْمُؤَخِّرُ أَنْ يُؤَخِّرَ غُسْلَهُ وَرَوَاحَهُ ...
(فَصْلٌ): وَقَوْلُهُ مَا أَصَابَهُ مَا يَنْقُضُ وُضُوءَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا الْوُضُوءُ وَغُسْلُهُ ذَلِكَ مُجْزِئٌ عَنْهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْغُسْلَ لَا يُنَافِيهِ الْحَدَثُ وَلَا يُنَافِيهِ الْعَرَقُ وَالصُّنَانُ وَلِذَلِكَ لَوْ لَمْ يُحْدِثْ وَطَالَ مَقَامُهُ بَعْدَ اغْتِسَالِهِ لَانْتَقَضَ غُسْلُهُ وَلَوْ لَمْ يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ اغْتَسَلَ ثُمَّ أَكَلَ أَوْ نَامَ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ غُسْلَهُ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ قَالَ وَذَلِكَ إذَا أَرَادَ النَّوْمَ فَأَمَّا مَنْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ فَكَنَوْمِ الْمُحْتَبِي. وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ فِي تَعْرِيفِهِ إنْ اغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ فِي أَوَّلِ نَهَارِهِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ تَشَاغَلَ بَعْدَ الْغُسْلِ أَعَادَهُ يُرِيدُ أَنَّهُ إنَّمَا يُجْزِئُهُ اغْتِسَالُهُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ سَعْيُهُ إلَى الْجُمُعَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ التَّأَخُّرَ إلَى وَقْتِ الرَّوَاحِ هُوَ الْمَشْرُوعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ): وَمَنْ اغْتَسَلَ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ مَسَافَةٌ فَذَهَبَ فِيهَا أَثَرُ الْغُسْلِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةُ الْغُسْلِ وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ يَأْتِي الْجُمُعَةَ مِنْ ثَمَانِيَةِ أَمْيَالٍ رُبَّ دَابَّةٍ سَرِيعَةِ الْمَشْيِ وَأُخْرَى الْمَشْيُ خَيْرٌ مِنْ رُكُوبِهَا فَإِعَادَةُ الْغُسْلِ فِي مِثْلِ هَذَا أَحَبُّ إلَيَّ وَمَا هُوَ بِالْبَيِّنِ وَفِيهِ سَعَةٌ وَمَنْ كَانَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ مِيلًا فَاغْتَسَلَ لَمْ يُجْزِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ).
وفي التاج والإكليل للمواق عند قول الشيخ خليل: < وَأَعَادَ إنْ تَغَذَّى , أَوْ نَامَ اخْتِيَارًا لَا لِأَكْلٍ خَفَّ >.
: (مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ غَدْوَةً ثُمَّ غَدَا إلَى الْمَسْجِدِ وَذَلِكَ رَوَاحُهُ فَأَحْدَثَ لَمْ يَنْتَقِضْ غُسْلُهُ وَخَرَجَ فَتَوَضَّأَ وَرَجَعَ , وَإِنْ تَغَدَّى وَنَامَ بَعْدَ غُسْلِهِ أَعَادَ حَتَّى يَكُونَ غُسْلُهُ مُتَّصِلًا بِالرَّوَاحِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: هَذَا إذَا طَالَ أَمْرُهُ , وَإِنْ كَانَ شَيْئًا خَفِيفًا لَمْ يُعِدْهُ).
وقال الإمام الشوكاني في نيل الأوطار: ( ... َقَدْ دَلَّ حَدِيثُ الْبَابِ أَيْضًا عَلَى تَعْلِيقِ الْأَمْرِ بِالْغُسْلِ بِالْمَجِيءِ إلَى الْجُمُعَةِ , وَالْمُرَادُ إرَادَةُ الْمَجِيءِ وَقَصْدُ الشُّرُوعِ فِيهِ , وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ. اشْتِرَاطُ الِاتِّصَالِ بَيْنَ الْغُسْلِ وَالرَّوَاحِ , وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ. وَالثَّانِي: عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ لَكِنْ لَا يُجْزِي فِعْلُهُ بَعْدِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ , وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ إلَى الذَّهَابِ , وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَقْدِيمُ الْغُسْلِ عَلَى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ بَلْ لَوْ اغْتَسَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ أَجْزَأَ عَنْهُ , وَإِلَيْهِ ذَهَبَ دَاوُد , وَنَصَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ , وَاسْتَبْعَدَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ , وَقَالَ: يَكَادُ يَجْزِمُ بِبُطْلَانِهِ , وَادَّعَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ مَنْ اغْتَسَلَ بَعْدَ الصَّلَاةِ لَمْ يَغْتَسِلْ لِلْجُمُعَةِ , وَاسْتَدَلَّ مَالِكٌ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَنَحْوِهِ. وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ وَدَاوُد بِالْأَحَادِيثِ الَّتِي أُطْلِقَ فِيهَا يَوْمُ الْجُمُعَةِ , لَكِنْ اسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ عَلَى عَدَمِ الِاجْتِزَاءِ بِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ بِأَنَّ الْغُسْلَ لَإِزَالَةِ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ , وَالْمَقْصُودُ عَدَمُ تَأَذِّي الْحَاضِرِينَ , وَذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى بَعْدَ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ. وَالظَّاهِرُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ ; لِأَنَّ حَمْلَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي أُطْلِقَ فِيهَا الْيَوْمُ عَلَى حَدِيثِ الْبَابِ الْمُقَيَّدِ بِسَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِهِ وَاجِبٌ ... ).