تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

سادساً: ولأنه إذا جاز الوقوف ليلاً ولا دم عليه باتفاق العلماء فلأن يجوز الوقوف نهاراً دون الليل من باب أولى، ومن فرق بين الليل والنهار فقد فرق بين متماثلين، سوى بينهما حديث عروة المذكور آنفاً.

ولايستقيم التفريق بمخالفة المشركين في الووقف بعرفات إلى غروب الشمس لضعفه كما تقدم. هذا الله أعلم، وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه أجمعين.


المسألة الثانية
حكم المبيت بمزدلفة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فقد اختلف

أهل العلم في حكم المبيت بمزدلفة على ثلاثة أقوال

القول الأول: إنه واجب، ومن تركه فعليه دم، وهذا قول أكثر أهل العلم، وهو مذهب الشافعي وأحمد.

القول الثاني: إنه سنة من فعلها فقد أحسن، ومن لم يفعلها فلا حرج عليه، وقد قال به بعض الشافعية.

القول الثالث: إن المبيت بمزدلفة ركن من أركان الحج فلا يصح الحج إلا به، وهو مروي عن ابن عباس وعبد الله بن الزبير، وعلقمة بن قيس، والشعبي، والحسن البصري، والنخعي، والأسود.

وهو اختيار الإمام ابن خزيمة وابن المنذر وابن جرير وابن حزم وداود الظاهري.

دليل من قال إنه واجب:

1 - حديث عروة بن مضرس رضي الله عنه وفيه: (من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه) رواه الخمسة وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم والدارقطني، حيث دلَّ الحديث على أن من لم يبت بمزدلفة لم يتم حجه التمام الواجب.
2 - حديث عبد الرحمن بن يعمر الديلمي رضي الله عنه وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة، من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك) رواه الخمسة وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني.

حيث دل الحديث على أن من وقف بعرفة آخر جزء من ليلة النحر فقد أدرك الحج، وهذا يقتضي عدم ركنية المبيت بمزدلفة.
3 - أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للضعفة الانصراف من المزدلفة بالليل، والترخيص لا يكون إلا من عزيمة وواجب، قال ابن عمر: "أرخص في أولئك – يعني الضعفة – رسول الله صلى الله عليه وسلم" رواه البخاري في صحيحه.

دليل من قال إنه سنة:

1 - حديث الأسود أن رجلاً قدم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو بجمع بعد ما أفاض من عرفات فقال:" يا أمير المؤمنين قدمت الآن، فقال أما كنت وقفت بعرفات؟ قال: لا، قال: فأت عرفة وقف بها هنيهة، ثم أفضِ، فانطلق الرجل، وأصبح عمر بجمع وجعل يقول: أجاء الرجل، فلما قيل: قد جاء أفاض" رواه سعيد بن منصور وصححه ابن تيمية واحتج به أحمد.

2 - حديث عروة بن مضرس المتقدم، فإنه دليل على أنه لم يبت بمزدلفة بالليل.

3 - حديث عبد ا لرحمن بن يعمر الديلمي رضي الله عنه وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة، من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك) رواه الخمسة وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني، فدل على أن من وقف بعرفة جزء من ليلة النحر فقد أدرك الحج، وهذا يقتضي عدم وجوب المبيت بمزدلفة.

4 - إجماع العلماء على أن وقت عرفة يمتد إلى طلوع الفجر من يوم النحر، وحينئذ لم يبق وقت للمبيت بمزدلفة.

دليل من قال إنه ركن:

1 - قوله تعالى: (فَإِذَا أَفضَْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ) (البقرة: من الآية198).
2 - حديث عروة بن مضرس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من شهد صلاتنا هذه وقد وقف معنا حتى ندفع، ووقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه)، فمفهوم هذا الحديث أن من لم يقف بالمزدلفة حتى يدفع الإمام فلم يقضِ حجه، يؤيده رواية النسائي (من أدرك جمعاً مع الإمام والناس حتى يفيض منها فقد أدرك الحج، ومن لم يدرك مع الناس والإمام فلم يدرك) ورواية أبي يعلى (من لم يدرك جمعاً فلا حج له).

الإجابة على أدلة القائلين بأنه ركن:

1 - إجماع العلماء أن من لم يذكر الله عند المشعر الحرام فإن حجه تام.
2 - أن المراد تم حجه على أحسن وجه وأكمله، وأيضاً فإن شهود الصلاة مع الإمام ليس بشرط للتمام عند أحد من أهل العلم، وأيضاً فإن رواية النسائي أنكرها أبو جعفر العقيلي وضعفها ابن حجر، وكذا رواية أبي يعلى ضعفها ابن حجر

3 - أن هذا يدل على لزوم الوقوف بمزدلفة، وهو يحصل بمجرد المرور، وليس هو في المبيت بها.

الراجح:

والحاصل أن أضعف الأقوال من قال إن المبيت ركن، وأقواها من قال إن المبيت واجب، والقول بأن المبيت سنة له حظ من النظر، وتجدر الإشارة إلى أن هذا الخلاف إنما هو في المبيت لا في الوقوف بمزدلفة، فهو في أقل أحواله واجب والخلاف فيه ضعيف وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير