تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال الخطابي رحمه الله تعالى في (معالم السنن) (1/ 27) تعليقا على الحديث: ((إنه من التبرك بأثر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ودعائه بالتخفيف عنهما، وكأنه جعل مدة بقاء النداوة فيهما حدًّا لما وقعت به المسألة من تخفيف العذاب عنهما، وليس ذلك من أجل أن في الجريد الرطب معنى ليس في اليابس، والعامة في كثير من البلدان تغرس الخُوص في قبور موتاهم، وأراهم ذهبوا إلى هذا، وليس لما تعاطوه من ذلك وجه)).

قال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي (1/ 103) عقب هذا:

((وصدق الخطابي، وقد ازداد العامة إصرارا على هذا العمل الذي لا أصل له، وغلوا فيه، خصوصا في بلاد مصر، تقليدا للنصارى، حتى صاروا يضعون الزهور على القبور، ويتهادونها بينهم، فيضعها الناس على قبور أقاربهم ومعارفهم تحية لهم، ومجاملة للأحياء، وحتى صارت عادة شبيهة بالرسمية في المجاملات الدولية، فتجد الكبراء من المسلمين إذا نزلوا بلدة من بلاد أوربا ذهبوا إلى قبور عظمائها أو إلى قبر من يسمونه (الجندي المجهول) ووضعوا عليها الزهور، وبعضهم يضع الزهور الصناعية التي لا نداوة فيها تقليدا للإفرنج، واتباعا لسنن من قبلهم، ولا ينكر ذلك عليهم العلماء أشباه العامة، بل تراهم أنفسهم يضعون ذلك في قبور موتاهم، ولقد علمتُ أن أكثر الأوقاف التي تسمى أوقافا خيرية موقوفٌ ريعها على الخوص والريحان الذي يوضع على القبور, وكل هذه بدع ومنكرات لا أصل لها في الدين، ولا سند لها من الكتاب والسنة، ويجب على أهل العلم أن ينكروها وأن يبطلوا هذه العادات ما استطاعوا))

قلت: ويؤيد كون وضع الجريد على القبر خاصاًّ به، وأنَّ التخفيف لم يكن من أجل نداوة شقها أمور:

أ - حديث جابر رضي الله عنه الطويل في (صحيح مسلم) (8/ 231 - 236) وفي قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((إني مررت بقبرين يعذبان، فأحببت بشفاعتي أن يرد عنهما ما دام الغصنان رطبين)).

فهذا صريح في أن رفع العذاب إنما هو بسبب شفاعته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ودعائه لا بسبب النداوة، وسواء كانت قصة جابر هذه هي عين قصة ابن عباس المتقدمة كما رجحه العيني وغيره، أو غيرها كما رجحه الحافظ في (الفتح)، أما على الاحتمال الأول فظاهر، وأما على الاحتمال الآخر، فلأن النظر الصحيح يقتضي أن تكون العلة واحدة في القصتين للتشابه الموجود بينهما، ولأن كون النداوة سببا لتخفيف العذاب عن الميت مما لا يعرف شرعا ولا عقلا، ولو كان الامر كذلك لكان أخف الناس عذابا إنما هم الكفار الذين يدفنون في مقابر أشبه ما تكون بالجنان لكثرة ما يزرع فيها من النباتات والأشجار التي تظل مخضرة صيفا شتاء.

يضاف إلى ما سبق أن بعض العلماء كالسيوطي قد ذكروا أن سبب تأثير النداوة في التخفيف كونها تسبح الله تعالى، قالوا: فإذا ذهبت من العود ويبس انقطع، تسبيحه فإن هذا التعليل مخالف لعموم قوله تبارك وتعالى: {وإن من شئ إلا يسبح بحمده، ولكن لا تفقهون تسبيحهم}.

ب - في حديث ابن عباس نفسه ما يشير إلى أن السر ليس في النداوة، أو بالأحرى ليست هي السبب في تخفيف العذاب، وذلك قوله (ثم دعا بعسيب فشقه اثنين) يعني طولا، فإن من المعلوم أن شقه سبب لذهاب النداوة من الشق ويبسه بسرعة، فتكون مدة التخفيف أقل مما لو لم يشق، فلو كانت هي العلة لابقاه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بدون شق ولوضع عل كل قبر عسيبا أو نصفه على الأقل، فإذا لم يفعل دل على أن النداوة ليست هي السبب، وتعين أنها علامة على مدة التخفيف الذي أذن الله به استجابة لشفاعة نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كما هو مصرح به في حديث جابر، وبذلك يتفق الحديثان في تعيين السبب، وإن احتمل اختلافهما في الواقعة وتعددها. فتأمل هذا، فإنما هو شئ انقدح في نفسي، ولم أجد من نص عليه أو أشار إليه من العلماء، فإن كان صوابا فمن الله تعالى وإن كان خطأ فهو مني، وأستغفره من كل ما لا يرضيه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير