, كالواقدي وغيره , بل أورد فيه حديث (نحن نحكم بالظاهر , والله يتولى السرائر) , وجزم بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم , مع أنه مما لا أصل له عنه بهذا اللفظ , كما نبه عليه حفاظ الحديث , كالسخاوي وغيره.
فاحذروا أيها القراء , أمثال هؤلاء , والله المستعان.
من الطب النبوي
56 - (كَانَ يَأْكُلُ الْقِثَّاءَ بِالرُّطَبِ).
57 - (كَانَ يَأْكُلُ الْبِطِّيخَ بِالرُّطَبِ، [فَيَقُولُ نَكْسِرُ حَرَّ هَذَا بِبَرْدِ هَذَا وَبَرْدَ هَذَا بِحَرِّ هَذَا]).
قال ابن القيم في (زاد المعاد) (3/ 175) بعد أن ذكره بالزيادة:
(وفى البِطِّيخ عدةُ أحاديث لا يَصِحُّ منها شىء غيرُ هذا الحديث الواحد، والمرادُ به الأخضر، وهو باردٌ رطب، وفيه جِلاءٌ، وهو أسرعُ انحداراً عن المَعِدَة من القِثَّاء والخيار، وهو سريعُ الاستحالة إلى أى خلط كان صادفه فى المَعِدَة، وإذا كان آكَلُهُ مَحْرُوراً انتفع به جداً، وإن كان مَبْروداً دفع ضررُه بيسير من الزَّنْجَبيل ونحوه، وينبغى أكلُه قبل الطعام، ويُتْبَعُ به، وإلاّ غَثَّى وقيَّأَ. وقال بعض الأطباء: إنه قبل الطعام يَغسلُ البطن غسلاً، ويُذهب بالداء أصلاً).
وهذا الذي عزاه لبعض الأطباء قد روي مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولكنه لا يصح , وقد سبق الكلام عليه في (الأحاديث الضعيفة) (رقم 144) , فليراجعه من شاء.
وقوله: (المراد به الأخضر): هو الظاهر من الحديث , ولكن الحافظ رده في (الفتح) وذكر أن المراد به الأصفر , واحتج بالحديث الآتي , ويأتي الجواب عنه فيه وهو:
58 - (كَانَ يَأْكُلُ الرُّطَبِ مع الْخِرْبِزِ , يعني: الْبِطِّيخَ).
قال النسائي:
(و الْخِرْبِزِ: وهو بكسر الخاء المعجمة وسكون الراء وكسر الموحدة بعدها زاي: نوع من البطيخ الأصفر , وقد تكبر القثاء فتصفر من شدة الحر فتصير كالخربز , كما شاهدته كذلك بالحجاز.
وفي هذا تعقب على من زعم أن المراد بالبطيخ في الحديث الأخضر , واعتل بأن الأصفر حرارة كما في الرطب , وقد ورد التعليل بأن أحداهما يطفئ حرارة الآخر.
والجواب عن ذلك بأن في الأصفر بالنسبة للرطب برودة , وإن كان فيه لحلاوته طرف حرارة , والله أعلم).
أقول: وفي هذا التعقيب نظر عندي , ذلك لأن الحديثين مختلفا المخرج , فالأول من حديث عائشة , وهذا من حديث أنس , فلا يلزم تفسير أحداهما بالآخر , لاحتمال التعدد والمغايرة , ولا سيما أن في الأول تلك الزيادة (نَكْسِرُ حَرَّ هَذَا بِبَرْدِ هَذَا وَبَرْدَ هَذَا بِحَرِّ هَذَا) , ولا يظهر هذا المعنى تمام الظهور بالنسبة إلى الخربز , ما دام أنه يشابه الرطب في الحرارة , والله أعلم.
ومن فوائد الحديث:
قال الخطيب في (الفقيه والمتفقه) (79/ 1 - 2) بعد أن ساق إسناده إلى عبدالله بن جعفر:
(في هذا الحديث من الفوائد: أن قوماً ممن سلك طريق الصلاح والتزهد قالوا: لا يحل الأكل تلذذاً , ولا على سبيل التشهي والإعجاب , ولا يأكل إلا ما لا بد منه لإقامة الرمق , فلما جاء هذا الحديث , سقط قول هذه الطائفة , وصلح أن يأكل الأكل تشهياً وتفكهاً وتلذذاً.
وقالت طائفة من هؤلاء: إنه ليس لأحد أن يجمع بين شيئين من الطعام , ولا بين أدمين على خوان , فهذا الحديث أيضاً يرد على صاحب هذا القول , ويبيح أن يجمع الإنسان بين لونين وبين أدمين فأكثر).
قلت: ولا يعدم هؤلاء بعض أحاديث يستدلون بها لقولهم , ولكنها أحاديث واهية , وقد ذكرت طائفة منها في (سلسلة الأحاديث الضعيفة) (رقم 241و257).
59 - (يَا عَلِيُّ أَصِبْ مِنْ هَذَا فَهُوَ أَنْفَعُ لَكَ).
رواه أبو داود , والترمذي , وابن ماجه , وأحمد , وابن أبي شيبة , والطبراني , والخطيب , من طريق فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَعْصَعَةَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ عَنْ أُمِّ الْمُنْذِرِ بِنْتِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيَّةِ قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَام وَعَلِيٌّ نَاقِهٌ وَلَنَا دَوَالِي مُعَلَّقَةٌ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَامَ عَلِيٌّ لِيَأْكُلَ فَطَفِقَ
¥