44 - (قال عمر لصهيب: أي رجل أنت , لولا خصال ثلاث فيك , قال: وما هن , قال: اكتنيت وليس لك ولد , وانتميت إلى العرب وأنت من الروم , وفيك سرف في الطعام. قال: أما قولك: اكتنيت ولم يولد لك , فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني أبا يحيى. وأما قولك: انتميت إلى العرب ولست منهم , وأنت رجل من الروم , فإني رجل من النمر بن قاسط , فسبتني الروم من الموصل بعد إذ أنا غلام عرفت نسبي. وأما قولك: فيك سرف في الطعام , فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول خِيَارُكُمْ مَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ).
وفي هذا الحديث فوائد:
الأولى: مشروعية الاكتناء لمن لم يكن له ولد , بل قد صح في البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم كنى طفلة صغيرة حينما كساها ثوباً جميلاً , فقال لها (هذا سنا ياأم خالد , هذا سنا يا ام خالد).
وقد هجر المسلمون – لا سيما الأعاجم منهم – هذه السنة العربية الإسلامية , فقلما تجد من يكتني منهم , ولو كان له طائفة من الأولاد , فكيف من لا يولد له؟.
وأقاموا مقام هذه السنة ألقاباً مبتدعة , مثل الأفندي , والبيك , و الباشا , ثم السيد , أو الأستاذ , ونحو ذلك مما يدخل بعضه أو كله في باب التزكية المنهي عنها في أحاديث كثيرة , فلينتبه لهذا.
الثانية: فضل إطعام الطعام , وهو من العادات الجميلة التي امتاز بها العرب على غيرهم من الأمم , ثم جاء الإسلام واكد أيما توكيد , كما في الحديث الشريف , بينما لا تعرف ذلك أوربا , و تستذوقه اللهم إلا من دان بالإسلام منها , كالألبان ونحوهم.
وإن مما يؤسف له أن قومنا بدؤوا يتاثرون بأوربا في طريقة حياتها – ما وافق الإسلام منها وما خالف – فأخذوا لا يهتمون بالضيافة , ولا يلقون لها بالاً , اللهم إلا ما كان منها في المناسبات الرسمية , ولسنا نريد هذا , بل إذا جاءنا أي صديق مسلم , وجب علينا أن نفتح له دورنا , وأن نعرض عليه ضيافتنا , فذلك حق له علينا ثلاثة أيام كما جاء في الأحاديث الصحيحة.
وإن من العجائب التى يسمعها المسلم في هذا العصر الاعتزاز بالعربية ممن لا يقدرها قدرها الصحيح , إذ لا نجد في كثير من دعاتها اللفظيين من تتمثل فيه الأخلاق العربية , كالكرم , والغيرة , والعزة , وغيرها من الأخلاق الكريمة التي هي من مقومات الأمم , ورحم الله من قال:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت .............. فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وأحسن منه قول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
45 - (إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مكارم – وفي رواية صَالِحَ – الْأَخْلَاقِ).
من أدب النوم والسفر
60 - (نَهَى عَنْ الْوَحْدَةِ أَنْ يَبِيتَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ أَوْ يُسَافِرَ وَحْدَهُ).
61 - (لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ فِي الْوَحْدَةِ ما أعلم مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ [أَبَدًا]).
62 - (الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ).
رواه مالك , وعنه ابوداود، وكذا الترمذي , والحاكم , والبيهقي , وأحمد، والخطيب من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً.
وسببه كما في " المستدرك " والبيهقي: أم رجلاً قدما من سفره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صحبت؟ فقال: ما صحبت أحداً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فذكره
في هذه الأحاديث تحريم سفر المسلم وحده , وكذا لو كان معه آخر , لظاهر النهي في الحديث الذي قبل هذا ولقوله فيه شيطان , أي عاص , كقوله تعالى (شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ) , فإن معناه: عصاتهم , كما قال المنذري.
وقال الطبري:
(هذا زجر أدب وإرشاد , لما يخاف على الواحد من الوحشة , وليس بحرام فالسائر وحده بفلاة , والبائت في بيت وحده , لا يأمن من الاستيحاش , سيما إن كان ذا فكرة رديئة , أو قلب ضعيف , والحق أن الناس يتفاوتون في ذلك , فوقع الزجر لحسم المادة , فيكره الانفراد سداً للباب , والكراهة في الاثنين أخف منها في الواحد) , ذكره المناوي في الفيض.
قلت: ولعل الحديث أراد السفر في الصحارى والفلوات التي قلما يرى المسافر فيها أحداً من الناس , فلا يدخل فيها السفر اليوم في الطرق المعبدة الكثيرة المواصلات. والله أعلم.
¥