تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقصة معاذ رواها أحمد في المسند وابن خزيمة في صحيحه والبيهقي في السنن الكبرى وغيرهم وهي: (كان معاذ يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء ثم يرجع فيصلي بأصحابه، فرجع ذات ليلة فصلى بهم وصلى خلفه فتىً من قومه، فلما طال على الفتى صلى وخرج، فأخذ بخطام بعيره وانطلق. فلما صلى معاذ ذكر ذلك له فقال: إن هذا به لنفاق؛ لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي صنع. وقال الفتى: وأنا لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي صنع، فغدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره معاذ بالذي صنع الفتى. فقال الفتى: يا رسول الله يطيل المكث عندك، ثم يرجع فيطول علينا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفتان أنت يا معاذ. وقال للفتى: كيف تصنع يا ابن أخي إذا صليت؟. قال: أقرأ بفاتحة الكتاب، وأسأل الله الجنة، وأعوذ به من النار، وإني لا أدرى ما دندنتك ودندنة معاذ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني ومعاذ حول هاتين أو نحو ذا. قال: قال الفتى: ولكن سيعلم معاذ إذا قدم القوم وقد خبروا أن العدو قد دنوا. قال: فقدموا فاستشهد الفتى. فقال النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك لمعاذ: ما فعل خصمي وخصمك. قال: يا رسول الله صدق الله، وكذبت استشهد). وغير ذلك من الأحاديث.

وينبغي أن يعلم أن المرجع في ضابط التخفيف في الصلاة هو السنة النبوية، وليس الأمر متروكاً لرغبات المأمومين، ولا لأهوائهم، ولا لأفعال أئمة المساجد، فإن الرغبات والأهواء لا تنتهي، فقد سمعنا أن بعض أئمة المساجد يحافظ على قراءة سورتي القارعة والزلزلة في صلاة الفجر، وبعضهم صلى التروايح في رمضان كله يقرأ سورة البروج كل ليلة يقسمها على ركعاتها. وبعضهم يصلي العشاء والتروايح في ربع ساعة، لذا كثر المصلون خلفه، وبعضهم لا يقرأ في صلاة المغرب إلا بقصار السور، وبعض المأمومين يطلب من إمام التروايح أن يخفف ليدرك حضور المسلسل التلفزيوني!! وحجة هؤلاء جميعاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أمَّ أحدكم الناس فليخفف)، وما درى هؤلاء أن التخفيف قضية نسبية كما قرر ذلك العلماء.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [ ... ومن المعلوم أن مقدار الصلاة واجبها ومستحبها لا يرجع فيه إلى غير السنة، فإن هذا من العلم الذي لم يكله الله ورسوله إلى آراء العباد إذ النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلى بالمسلمين في كل يوم خمس صلوات وكذلك خلفاؤه الراشدون الذين أمرنا بالإقتداء بهم، فيجب البحث عما سنَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ينبغي أن يوضع فيه حكم بالرأي وإنما يكون اجتهاد الرأي فيما لم تمض به سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يجوز أن يعمد إلى شيء مضت به سنة فيرد بالرأي والقياس. ومما يبين هذا أن التخفيف أمر نسبي إضافي ليس له حدٌّ في اللغة ولا في العرف، إذ قد يستطيل هؤلاء ما يستخفه هؤلاء ويستخف هؤلاء ما يستطيله هؤلاء، فهو أمر يختلف باختلاف عادات الناس ومقادير العبادات ولا في كل من العبادات التي ليست شرعية. فعُلِمَ أن الواجب على المسلم أن يرجع في مقدار التخفيف والتطويل إلى السنة، وبهذا يتبين أن أمره صلى الله عليه وسلم بالتخفيف لا يُنافى أمره بالتطويل أيضاً في حديث عمار الذي في الصحيح لما قال: (إن طول صلاة الرجل وقِصَرَ خُطبته مَئِنَّةٌ مِنْ فقهه، فأطيلوا الصلاة واقُصُرُوا الخطبة). وهناك أمرهم بالتخفيف ولا منافاة بينهما، فإن الإطالة هنا بالنسبة إلى الخطبة والتخفيف هناك بالنسبة إلى ما فعل بعض الأئمة في زمانه من قراءة البقرة في العشاء الآخرة.] مجموع الفتاوى 22/ 596 - 597.

وقال الشيخ ابن القيم: [وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (أيكم أمّ الناس فليخفف) وقول أنس رضي الله عنه: (كان رسول الله أخف الناس صلاة في تمام)، فالتخفيف أمْرٌ نسبي يرجع إلى ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وواظب عليه، لا إلى شهوة المأمومين، فإنه لم يكن يأمرهم بأمرٍ ثم يخالفه، وقد عَلِمَ أن من ورائه الكبير والضعيف وذا الحاجة، فالذي فَعَلَه هو التخفيف الذي أَمَرَ به، فإنه كان يمكن أن تكون صلاته أطول من ذلك بأضعاف مضاعفة، فهي خفيفة بالنسبة إلى أطول منها، وهَدْيه الذي كان واظب عليه هو الحاكم على كل ما تنازع فيه المتنازعون ويدل عليه ما رواه النسائي وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير