هذا الحديث: الحث على التحاب في الله وبيان عظم فضله وهو من المهمات , فإن الحب في الله والبغض في الله من الإيمان , وهو بحمد الله كثير يوفق له أكثر الناس أو من وفق له. قوله صلى الله عليه وسلم (ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله) قال القاضي: يحتمل قوله (أخاف الله) باللسان , ويحتمل قوله في قلبه ليزجر نفسه , وخص ذات المنصب والجمال لكثرة الرغبة فيها وعسر حصولها , وهي جامعة للمنصب والجمال لا سيما وهي داعية إلى نفسها , طالبة لذلك قد أغنت عن مشاق التوصل إلى مراودة ونحوها , فالصبر عنها لخوف الله تعالى - وقد دعت إلى نفسها مع جمعها المنصب والجمال - من أكمل المراتب وأعظم الطاعات , فرتب الله تعالى عليه أن يظله في ظله , وذات المنصب , هي: ذات الحسب والنسب الشريف. ومعنى (دعته) أي دعته إلى الزنا بها , هذا هو الصواب في معناه. وذكر القاضي فيه احتمالين أصحهما هذا , والثاني: أنه يحتمل أنها دعته لنكاحها فخاف العجز عن القيام بحقها أو أن الخوف من الله تعالى شغله عن لذات الدنيا وشهواتها. قوله صلى الله عليه وسلم (ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله) هكذا وقع في جميع نسخ مسلم في بلادنا وغيرها , وكذا نقله القاضي عن جميع روايات نسخ مسلم (لا تعلم يمينه ما تنفق شماله) والصحيح المعروف (حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) هكذا رواه مالك في الموطإ والبخاري في صحيحه وغيرهما من الأئمة وهو وجه الكلام ; لأن المعروف في النفقة فعلها باليمين. قال القاضي: ويشبه أن يكون الوهم فيها من الناقلين عن مسلم لا من مسلم بدليل إدخاله بعده حديث مالك - رحمه الله - وقال بمثل حديث عبيد , وبين الخلاف في قوله (وقال: رجل معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود) فلو كان ما رواه مخالفا لرواية مالك لنبه عليه كما نبه على هذا. وفي هذا الحديث فضل صدقة السر , قال العلماء: وهذا في صدقة التطوع فالسر فيها أفضل ; لأنه أقرب إلى الإخلاص وأبعد من الرياء. وأما الزكاة الواجبة فإعلانها أفضل , وهكذا حكم الصلاة فإعلان فرائضها أفضل , وإسرار نوافلها أفضل ; لقوله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة) قال العلماء: وذكر اليمين والشمال مبالغة في الإخفاء والاستتار بالصدقة , وضرب المثل بهما لقرب اليمين من الشمال وملازمتها لها , ومعناه: لو قدرت الشمال رجلا متيقظا لما علم صدقة اليمين لمبالغته في الإخفاء. ونقل القاضي عن بعضهم أن المراد من عن يمينه وشماله من الناس , والصواب الأول قوله صلى الله عليه وسلم (ورجل ذكر الله تعالى خاليا ففاضت عيناه) فيه فضيلة البكاء من خشية الله تعالى , وفضل طاعة السر لكمال الإخلاص فيها. شرح صحيح مسلم النووي.
كَلِمَةٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ
+ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ أَوْ قَالَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ فَقُلْتُ بَلَى فَقَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ) مسلم.
شرح الحديث
قوله صلى الله عليه وسلم (لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة) قال العلماء سبب ذلك أنها كلمة استسلام وتفويض إلى الله تعالى , واعتراف بالإذعان له , وأنه لا صانع غيره , ولا راد لأمره , وأن العبد لا يملك شيئا من الأمر , ومعنى الكنز هنا أنه ثواب مدخر في الجنة , وهو ثواب نفيس , كما أن الكنز أنفس أموالكم , قال أهل اللغة (الحول) الحركة والحيلة , أي: لا حركة ولا استطاعة ولا حيلة إلا بمشيئة الله تعالى , وقيل: معناه لا حول في دفع شر , ولا قوة في تحصيل خير إلا بالله , وقيل: لا حول عن معصية الله إلا بعصمته , ولا قوة على طاعته إلا بمعونته , وحكي هذا عن ابن مسعود رضي الله عنه , وكله متقارب , قال أهل اللغة: ويعبر عن هذه الكلمة بالحوقلة والحولقة , وبالأول جزم الأزهري والجمهور , وبالثاني جزم الجوهري , ويقال أيضا: لا حيل ولا قوة في لغة غريبة , حكاها الجوهري وغيره. شرح صحيح مسلم النووي.
أَلْفَ حَسَنَةٍ
¥