قوله صلى الله عليه وسلم (من طلب الشهادة صادقا أعطيها ولو لم تصبه) وفي الرواية الأخرى (من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه) معنى الرواية الأولى مفسر من الرواية الثانية , ومعناهما جميعا أنه إذا سأل الشهادة بصدق أعطي من ثواب الشهداء , وإن كان على فراشه.
وفيه استحباب سؤال الشهادة , واستحباب نية الخير. شرح صحيح مسلم النووي.
فضل غبار الجهاد
+ عن أَبُي عَبْسٍ َقَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (مَنْ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ) البخاري.
شرح الحديث
قوله صلى الله عليه وسلم (من اغبرت قدماه) أي أصابهما غبار (في سبيل الله) أي في الجهاد. وقال المناوي في شرح الجامع الصغير أي في طريق يطلب فيها رضا الله فشمل الجهاد وغيره كطلب العلم. قلت: وأراد عباية بن رفاعة في رواية الترمذي وكذا أبو عبس الراوي في رواية البخاري العموم (فهما حرام على النار) أي لا تمسهما النار , وفي ذلك إشارة إلى عظيم قدر التصرف في سبيل الله فإذا كان مجرد مس الغبار للقدم يحرم عليها النار فكيف بمن سعى وبذل جهده واستنفد وسعه. تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي.
فضل قتل المشرك في الحرب
+ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يَجْتَمِعُ كَافِرٌ وَقَاتِلُهُ فِي النَّارِ أَبَدًا) صححه الألباني.
شرح الحديث
قوله صلى الله عليه وسلم (لا يجتمع كافر وقاتله في النار أبدا) وفي رواية (لا يجتمعان في النار اجتماعا يضرهما قيل: من هم يا رسول الله؟ قال مؤمن قتل كافرا ثم سدد) قال القاضي في الرواية الأولى يحتمل أن هذا مختص بمن قتل كافرا في الجهاد , فيكون ذلك مكفرا لذنوبه حتى لا يعاقب عليها , أو يكون بنية مخصوصة , أو حالة مخصوصة , ويحتمل أن يكون عقابه إن عوقب بغير النار كالحبس في الأعراف عن دخول الجنة أولا ولا يدخل النار , أو يكون إن عوقب بها في غير موضع عقاب الكفار , ولا يجتمعان في إدراكها , قال: وأما قوله في الرواية الثانية: (اجتماعا يضر أحدهما الآخر) فيدل على أنه اجتماع مخصوص , قال وهو مشكل المعنى , وأوجه ما فيه أن يكون معناه ما أشرنا إليه: أنهما لا يجتمعان في وقت إن استحق العقاب , فيعيره بدخوله معه وأنه لم ينفعه إيمانه وقتله إياه , وقد جاء مثل هذا في بعض الحديث , لكن قوله في هذا الحديث: (مؤمن قتل كافرا ثم سدد) مشكل لأن المؤمن إنما سدد , ومعناه: استقام على الطريقة المثلى ولم يخلط , لم يدخل النار أصلا , سواء قتل كافرا أو لم يقتله , قال القاضي: ووجهه عندي أن يكون قوله: (ثم سدد) عائدا على الكافر القاتل , ويكون بمعنى الحديث السابق: (يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة) ورأى بعضهم أن هذا اللفظ تغير من بعض الرواة , وأن صوابه (مؤمن قتله كافر ثم سدد) ويكون معنى قوله: (لا يجتمعان في النار اجتماعا يضر أحدهما الآخر) أي لا يدخلانها للعقاب , ويكون هذا استثناء من اجتماع الورود , وتخاصمهم على جسر جهنم , هذا آخر كلام القاضي. شرح صحيح مسلم النووي.
فضل رمي العدو بسهم
+ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (مَنْ رَمَى الْعَدُوَّ بِسَهْمٍ فَبَلَغَ سَهْمُهُ الْعَدُوَّ أَصَابَ أَوْ أَخْطَأَ فَعَدْلُ رَقَبَةٍ) صححه الألباني.
شرح الحديث
قوله صلى الله عليه وسلم (فبلغ سهمه العدو) من التبليغ ونصب السهم والعدو أو من البلوغ ورفع السهم و قوله صلى الله عليه وسلم (فعدل رقبة) أي فله من الثواب عدل رقبة. شرح سنن ابن ماجه للسندي.
فضل الحراسة في سبيل الله
+ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) صححه الألباني.
شرح الحديث
قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عينان لا تمسهما النار) أي لا تمس صاحبهما , فعبر بالجزء عن الجملة , وعبر بالمس إشارة إلى امتناع ما فوقه بالأولى , وفي رواية " أبدا " وفي رواية " لا تريان النار " (عين بكت من خشية الله) وهي مرتبة المجاهدين مع النفس التائبين عن المعصية سواء كان عالما أو غير عالم (وعين باتت تحرس) وفي رواية: تكلأ (في سبيل الله) وهي مرتبة المجاهدين في العبادة وهي شاملة لأن تكون في الحج أو طلب العلم أو الجهاد أو العيادة , والأظهر أن المراد به الحارس للمجاهدين لحفظهم عن الكفار. قال الطيبي قوله: (عين بكت) هذا كناية عن العالم العابد المجاهد مع نفسه لقوله تعالى (إنما يخشى الله من عباده العلماء) حيث حصر الخشية فيهم غير متجاوز عنهم , فحصلت النسبة بين العينين عين مجاهد مع النفس والشيطان وعين مجاهد مع الكفار. تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي.
الخاتمة
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يصلح قلبي وقلوب عباده المؤمنين وأن يجعل هذا البحث خالصاً لوجهه الكريم وأن يقذف في قلوبنا الهدى والتقى و العفاف والغنى وأسأل الله أن يجازينا على الإحسان إحساناً وعلى السيئات مغفرة وعفواً ويحل علينا رضوانه أنه غفوراً رحيم.
وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين