تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد ورد بمعنى الآية المتقدمة قوله تعالى: [لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِير]، قال ابن كثير في تفسيرها: "نهى الله-تبارك وتعالى-عباده المؤمنين أن يوالوا الكافرين، وأن يتخذوهم أولياء يُسِرُّون إليهم بالمودة من دون المؤمنين، ثم توعد على ذلك فقال: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ] أي: من يرتكب نهى الله في هذا فقد برئ من الله كما قال: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا] [النساء:144]، وقال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ إلى أن قال: وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ] [الممتحنة:1] وقال تعالى -بعد ذكر موالاة المؤمنين للمؤمنين من المهاجرين والأنصار والأعراب-: [وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ] {الأنفال:3 7] ".

قال أبو حيان في تفسير قوله تعالى: " [يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين] " قال: "قيل: وفي الآية دليل على أنّ الكافر لا يستحق على المسلم ولاية بوجه: ولداً كان أو غيره، وأن لا يستعان بذمي في أمر يتعلق به نصرة وولاية، كقوله تعالى: [لا تتخذوا بطانة من دونكم] ".

وقد بين القرآن سبب مسارعة بعض من يظهر الانتساب للإسلام في التحالف مع الكفار، وأن ذلك نتيجة ضعف إيمانهم أو ذهابه بالكلية؛ لكي يكون لهم الكفار نصراء وحلفاء عند الحاجة، يقول ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير الآية، وكأنه يصف حال كثيرين من أهل زماننا ممن يوالون اليهود والنصارى ويسارعون فيهم: "وقوله: [فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ] أي: شك، وريب، ونفاق [يُسَارِعُونَ فِيهِمْ] أي: يبادرون إلى موالاتهم ومودتهم في الباطن والظاهر، [يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ] أي: يتأولون في مودتهم وموالاتهم أنهم يخشون أن يقع أمر من ظفر الكفار بالمسلمين، فتكون لهم أياد عند اليهود والنصارى، فينفعهم ذلك، عند ذلك"، وهذه في الحقيقة حجة كثيرين ممن يزعمون أن لأهل الذمة الحق في المشاركة في الحياة السياسية في بلاد المسلمين يصطنعون بذلك يدا عند أمم الكفر الغالبة موافقة لهم ومداهنة لهم.

ومن تتبع الشروط الواردة في ولاية أمر المسلمين في جميع كتب أهل العلم من جميع المذاهب، علم يقينا أنه لا يجوز بحال أن يتولى كافر ولاية الأمر، سواء كان كافرا أصليا أو كافرا لردته عن الإسلام، وسواء كان غازيا محتلا لبلاد لمسلمين، أو كان من أهل الذمة المقيمين في بلاد المسلمين.

فما نسمعه اليوم من المنتسبين إلى بعض الجماعات الإسلامية الخائضين في الانتخابات البرلمانية، من أنه يجوز للنصراني في بلد المسلمين أن يكون وليا للأمر هو باطل بيقين ومخالف لإجماع المسلمين، قال القاضي عياض: "أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الْإِمَامَة لَا تَنْعَقِد لِكَافِرٍ، وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْكُفْر اِنْعَزَلَ، قَالَ: وَكَذَا لَوْ تَرَكَ إِقَامَة الصَّلَوَات وَالدُّعَاء إِلَيْهَا" ونقل هذا الإجماع أيضا ابن حجر فقال: يَنْعَزِل بِالْكُفْرِ إِجْمَاعًا.

وقال ابن الأزرق: " (بعدما ذكر كلام ابن العربي المتقدم) قلت: وقد ورد العمل بذلك عن السلف، قولاً وفعلاً، ويكفي من ذلك روايتان: الرواية الأولى: (وذكر رواية عمر رضي الله تعالى عنه مع أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه التي سبقت)، الرواية الثانية: قال: "وكتب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إلى بعض عماله: أما بعد فانه بلغني أن في عملك رجلاً يقال له فلان-وسماه-على غير دين الإسلام، والله تعالى يقول: "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير