تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وآله وسلم لا يحرم شيئا تبعا لليهود ثم يصرح بتكذيبهم فيه. ومنهم من رجح جذامة بثبوته في الصحيح وضعف مقابله بالأختلاف في إسناده والاضطراب فأنكر ذلك الحافظ بن حجر و قال: ورد بأنه إنما يقدح في حديث لا فيما يقوي بعضه بعضا فإنه يعمل به وهو هنا كذلك والجمع ممكن. ورجح ابن حزم العمل بحديث جذامة بأن أحاديث غيرها موافقة لأصل الإباحة وحديثها يدل على المنع قال فمن ادعى انه ابيح بعد أن منع فعليه البيان، و الجواب عليه أن حديث جذامة ليس بصريح في المنع، إذ لا يلزم من تسميته وأدا خفيا على طريق التشبيه أن يكون حراماً.

بعد استقراءٍ للموضوع من جميع جوانبه يتبين أنّه -والله أعلم- لا مانع من تحديد النسل. فالصواب في هذه المسألة الجواز لعدم وجود أي دليل صريح على التحريم. و كون الصحابة رضوان الله عليهم قد فعلوا هذا بحضرة رسول الله عليه الصلاة و السلام و إقراره لهم على ذلك، لأقوى دليل على جواز تحديد النسل. فقد أخرج البخاري أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ عِنْدَ النَّبِيِّrقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نُصِيبُ سَبْيًا فَنُحِبُّ الْأَثْمَانَ فَكَيْفَ تَرَى فِي الْعَزْلِ؟ فَقَالَ: «أَوَ إِنَّكُمْ تَفْعَلُونَ ذَلِكَ؟ لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا ذَلِكُمْ. فَإِنَّهَا لَيْسَتْ نَسَمَةٌ كَتَبَ اللَّهُ أَنْ تَخْرُجَ إِلَّا هِيَ خَارِجَةٌ». و أخرج مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ. قَالَ: ذُكِرَ الْعَزْلُ عِنْدَ النّبِيّ rفَقَالَ: «وَمَا ذَاكُمْ؟» قَالُوا: الرّجُلُ تَكُونُ لَهُ الْمَرْأَةُ تُرْضِعُ فَيُصِيبُ مِنْهَا، وَيَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ مِنْهُ، وَالرّجُلُ تَكُونُ لَهُ الأَمَةُ فَيُصِيبُ مِنْهَا، وَيَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ مِنْهُ. قَالَ: «فَلاَ عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَفْعَلُوا ذَاكُمْ، فَإِنّمَا هُوَ الْقَدَرُ».

والعمدة في ذلك قوة الأدلة التي تبيح العزل ولفعل الصحابة الكرام لذلك وبه أفتى الصحابة بعد وفاة رسول الله r، لما ذكر أنه جلس إلى عمر، علي، والزبير وسعد y في نفر من أصحاب رسول الله r فتذاكروا العزل فقالوا: لا بأس به، فقال رجل: إنهم يزعمون أنها الموءودة الصغرى، فقال على t: لا تكون موءودة حتى تمر عليها التارات السبع حتى تكون من سلالة من طين؛ ثم تكون نطفة؛ ثم تكون علقة؛ ثم تكون مضغة؛ ثم تكون عظاماً؛ ثم تكون لحماً؛ ثم تكون خلقاً آخر؛ فقال عمر t: صدقت أطال الله بقاءك. [رواه أبو يعلى وغيره]. و جاء أيضاً رجلٌ إلى النبي r فقال: يا رسول الله إن لي جارية وأنا أعزل عنها وأنا أكره أن تحمل وأنا أريد ما يريد الرجل -أي يريد لذة الجماع ولا يريد منها الولد- وإن اليهود تحدّث أن العزل الموءودة الصغرى، فقال رسول الله r « كذبت يهود، لو أراد الله أن يخلقه ما استطعتَ أن تصرفه»، وفي رواية قال r « إن ذلك لا يمنع شيئاً أراده الله». فجاء الرجل نفسه مرة ثانية فقال: يا رسول الله، إن الجارية التي كنت ذكرتها لك حملت فقال رسول الله r « أنا عبد الله ورسوله» [رواه مسلم]. و في حديث آخر عَنْ جَابِرٍ أَنّ رَجُلاً أَتَى رَسُولَ اللّهِ rفَقَالَ: إِنّ لِي جَارِيَةً هِيَ خَادِمُنَا وَسَانِيَتُنَا، وَأَنَا أَطُوفُ عَلَيْهَا وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ. فَقَالَ: «اعْزِلْ عَنْهَا إِنْ شِئْتَ. فَإِنّهُ سَيأْتِيَهَا مَا قُدّرَ لَهَا» فَلَبِثَ الرّجُلُ. ثُمّ أَتَاهُ فَقَالَ: إِنّ الْجَارِيَةَ قَدْ حَبِلَتْ. فَقَالَ «قَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنّهُ سَيَأْتِيهَا مَا قُدّرَ لَهَا».

أما اشتراط إذن الزوجة فعليه خلاف بين الفقهاء. قال الإمام محيي الدين النووي: «لا يحرم في مملوكته ولا في زوجته الأمة سواء رضيتا أم لا، لأن عليه ضرراً في مملوكته بمصيرها أم ولد وامتناع بيعها، وعليه ضرر في زوجته الرقيقة بمصير ولدته رقيقاً تبعاً لأمه، وأما زوجته الحرة فإن أذنت فيه لم يحرم وإلا فوجهان أصحهما لا يحرم».

و يعترض بعض المحرمين المعاصرين على تحديد النسل بأن إعطاء المرأة هرمون نسائي يؤدي لوقف الدورة، ممكن أن يؤدي لبعض الأعراض الجانبية عندها. و هذا الحجة مردودة لأن هذه هي طريقة واحدة من طرق الحمل، و وسائل منع الحمل كثيرة و متعددة. فمن الوسائل الحديثة ما يعطى للرجال و قد أثبت خلوه من أي أضرار جانبية. و من الوسائل الطبيعية المعروفة أن لا يعاشر الرجل عن زوجته عند فترة الإباضة التي تسبق الحيض، أي خلال أربعة أيام قبل الحيض. و أبسط منه أن يعزل عنها عند خروج الماء كما فعل الصحابة رضوان الله عليهم. و من الثابت طبياً أن هذه الوسائل الطبيعية ليس لها أية أضرار. بل لو كان لها أضرار لما أقرها الرسول صلى الله عليه و سلم.

&&&

&

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير