تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثالثاً: أن طبقات الناس متفاوتة غنىً وفقراً، فلهذا وجب الحد من التناسل صيانةً للأسرة مما يتهدّدها من خطر كثرة الأولاد وإنقاذاً للأمة مما يتوقع لها من البلاء وشدة الأزمات.

رابعاً: أنّ تحديد النسل يحفظ للمرأة صحتها وجمالها. و هذا ثابت و معروف في العلم و الطب. فكثرة الإنجاب ترهق المرأة و تذهب جمالها و تقصر معدل عمرها.

خامساً: أن المطلوب هو النوعية و ليس الكثرة. فأن نحصل على ذرية قليلة يعتني بها آبائها خير العناية لتصبح بعد ذلك النخبة القائدة خير من ذرية كثيرة ضعيفة لا تملك قوت نفسها.

قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها" فقال قائل: ومن قِلّةٍ نحن يومئذٍ؟ قال: "بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكنكم غثاءٌ (ما يحمله السيل من وسخ) كغثاء السيل، ولينزعنَّ اللّه من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفنَّ اللّه في قلوبكم الوهن" فقال قائل: يارسول اللّه، وما الوهن؟ قال: "حبُّ الدنيا وكراهية الموت". (أخرجه أبو داوود و أحمد). فلم تغن عنا كثرتنا شيئاً في هذا العصر، و إنما أصبحنا كالغثاء الذي يحمله السيل، كثير وافر لكنه لا يفعل شيئاً.

هذه بالطبع بعض الأسباب التي تدعو لتحديد النسل. و إلا فإن الأحكام الشرعية تؤخذ من القرآن و السنة، و القول بالتحريم لا بد له من دليل شرعي صريح حتى يؤخذ به.

موقف الإسلام من تحديد النسل

لقد اختلف العلماء في حكم تنظيم النسل لاختلافهم في فهم الأحاديث المتعلقة بحكم العزل، فقد صحت أحاديث في إباحته منها، ولكن منهم من قال بنسخها ومنهم من استدل بها. وأما الذين ذهبوا بالقول إلى نسخ تلك الأحاديث فقد حرّموا تنظيم النسل مطلقاً وقالوا أن الله تعالى أرحم بخلقه منا فيهب لمن يشاء ويمنع من يشاء. و من أشهر القائلين بالتحريم إبن حزم الأندلسي الظاهري.

و هذا الإدعاء لا دليل عليه. إذ النسخ لا يثبت بالاحتمال. فالقول بنسخ الأحاديث لا يجوز إلا بشرط أن يكون هناك تعارض صريح بين الحديثين لا مجال لجمعهما معاً و هذا غير متحقق في مثالنا هذا. و يشترط أيضاً معرفة السابق من اللاحق في الأحاديث حتى نعرف من الناسخ و المنسوخ و هذا أيضاً غير متحقق. بل الثابت عن الصحابة الكرام أن حديث جواز تحديد النسل لم ينسخه شيء. فعن جابر t قال: «كُنّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ r وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ فَبَلَغَه ذَلِكَ فَلَمْ يَنْهَنَا» [متفق عليه واللفظ لمسلم].

و العزل هو أن يطأ الرجل امرأته فيعزل عنها قبل أن يقع الماء فيها مخافة الحبل. و كان اليهود يكرهون ذلك فيقولون هي الموءودة الصغرى، فنزل قول الله تعالى: {نسائكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}. و سئل ابن عباس (ر) عنه فقال: «إن كان رسول الله (ص) قال فيه شيئاً فهو كما قال، و إلا فأنا أقول كما قال الله تعالى {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}، فمن شاء عزل و من شاء لم يعزل». و قال عبد الله بن مسعود (ر) و عبد الله ابن عمر (ر) مثل ذلك. و روى أبو سعيد الخدري (ر) عن رسول الله (ص) أنه سئل عن العزل فذكر نحو لك. و قال عطاء بن جابر (ر): «كنا نعزل على عهد رسول الله (ص) و القرآن ينزل و ما منع من العزل».

ومثله ما أخرج الترمذي وصححه عن جابر قال: كانت لنا جوار وكنا نعزل فقالت اليهود ان تلك الموؤدة الصغرى فسئل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن ذلك فقال «كذبت اليهود لو أراد اللّه خلقه لم يستطع رده»، وأخرج نحوه النسائي من حديث أبي هريرة. فقوله "كذبت اليهود" فيه دليل على جواز العزل. ولكنه يعارض ذلك ما في حديث جذامة الذي أخرجه مسلم من تصريحه صلى اللّه عليه وآله وسلم بأنه الوأد الخفي. فمن العلماء من جمع بين هذا الحديث وما قبله فحمل هذا على التنزيه وهذه طريقة البيهقي، ومنهم من ضعف حديث جزامة هذا لمعارضته لما هو أكثر منه طرقاً، قال الحافظ بن حجر وهذا دفع للأحاديث الصحيحة بالتوهم والحديث صحيح لا ريب فيه والجمع ممكن. ومنهم من أدعى أنه منسوخ، و رد بعدم معرفة التاريخ فلا يمكن ادعاء النسخ. وقال الطحاوي يحتمل أن يكون حديث جذامة على وفق ما كان عليه الأمر أولا من موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه ثم أعلمه اللّه بالحكم فكذب اليهود فيم كانوا يقولونه، وتعقبه ابن رشد وابن العربي بأن النبي صلى اللّه عليه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير