تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

نواح شتى، ومن تلك البحوث قول عامتهم إلا القليل منهم، إن محل العقل الدماغ – وتبعهم في ذلك قليل من المسلمين، ويذكر عن الإمام أحمد أنه جاءت عنه رواية بذلك. وعامة علماء المسلمين على أن محل العقل القلب، وسنوضح إن شاء الله تعالى حجج الطرفين ونبين ما هو الصواب في ذلك.

أعلم وفقنا الله وإياك، إن العقل نور روحاني تدرك به النفس العلوم النظرية والضرورية، وإن من خلقه وأبرزه من العدم إلى الوجود، وزين به العقلاء وأكرمهم به أعلم بمكانه الذي جعله فيه من جهلة الفلاسفة الكفرة الخالية قلوبهم من نور سماوي وتعليم إلهي، وليس أحد بعد الله أعلم بمكان العقل من النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال في حقه (ماينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي) وقال تعالى عن نفسه (أأنتم أعلم أم الله) والآيات القرآنية والأحاديث النبوية في كل منهما التصريح بكثرة أن محل العقل القلب، وكثرة ذلك وتكراره في الوحيين لا يترك احتمالاً ولاشك في ذلك، وكل نظر عقلي صحيح يستحيل أن يخالف الوحي الصريح، ونذكر طرفاً من الآيات الكثيرة الدالة على ذلك وطرفاً من الأحاديث النبوية، ثم نبين حجة من خالف الوحي من الفلاسفة ومن تبعهم ونوضح الصواب في ذلك إن شاء الله تعالى وأعلم أولاً أنه يغلب في الكتاب والسنة إطلاق القلب وإرادة العقل وذلك أسلوب عربي معروف لأن من أساليب اللغة العربية إطلاق المحل وإرادة الحال فيه كعكسه والقائلون بالمجاز يسمون ذلك الأسلوب العربي مجازاً مرسلاً، ومن علاقات المجاز المرسل عندهم المحلية والحالية كإطلاق القلب وإرادة العقل لأن القلب محل العقل وكإطلاق النهر الذي هو الشق في الأرض على الماء الجاري فيه كما هو معلوم في محله.

وهذه بعض نصوص الوحيين قال تعالى (ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها) الآية، فعابهم الله بأنهم لا يفقهون بقلوبهم، والفقه الذي هو الفهم لا يكون إلا بالعقل، فدل ذلك على أن القلب محل العقل، ولو كان الأمر كما زعم الفلاسفة لقال لهم أدمغه لا يفقهون بها.

وقال تعالي (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو أذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) ولم يقل فتكون لهم أدمغه يعقلون بها، ولم يقل ولكن تعمى الأدمغه التي في الرؤوس كما ترى، فقد صرح في آية الحج هذه بأن القلوب هي التي يعقل بها وما ذلك إلا لأنها محل العقل كما ترى ثم أكد ذلك تأكيداً لا يترك شبهة ولا لبساً فقال تعالى (ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) فتأمل قوله التي في الصدور تفهم مافيه من التأكيد والإيضاح ومعناه أن القلوب التي في الصدور هي التي تعمى إذا سلب الله منها نور العقل فلا تميز بعد عماها بين الحق والباطل ولا بين الحسن والقبيح ولا بين النافع والضار وهو صريح بأن الذي يميز به كل ذلك وهو العقل ومحله في القلب.

وقال تعالى (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم) ولم يقل بدماغ سليم وقال تعالى (ختم الله على قلوبهم) الآية ولم يقل على أدمغتهم وقال تعالى (إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه) الآية ومفهوم مخالفة الآية أنه لو لم يجعل الأكنة على قلوبهم لفقهوه بقلوبهم وذلك لأن محل العقل القلب كما ترى، ولم يقل أنا جعلنا على أدمغتهم أكنه أن يفقهوه. وقال تعالى (إن في ذلك لذكري لمن كان له قلب) الآية، ولم يقل لمن كان له دماغ وقال تعالى (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك) الآية، ولم يقل ثم قست أدمغتكم وكون القلب إذا قسا لم يطع صاحبه الله وإذا لان أطاع الله، دليل على أن المميز الذي تراد به الطاعة والمعصية محله القلب كما ترى وهو العقل.

وقال تعالى (فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله) الآية، وقال تعالى (فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم) الآية، ولم يقل فويل للقاسية أدمغتهم ولم يقل فطال عليهم الأمد فقست أدمغتهم وقال تعالى (أفرأيت من أتخذ ألهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه) الآية، ولم يقل وختم على سمعه ودماغه وقال تعالى (وأعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه) الآية، ولم يقل ودماغه، وقال تعالى (يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم) الآية ولم يقل ما ليس في أدمغتهم وقال تعالى (فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير