تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وثالثاً: أنَّ كلَّ ما وافق شرع الله جلّ وعلا فهو منه، وكذلك كلّ ما لم يخالف شرع الله تعالى فهو منه؛ فالمشروع بالنصِّ أو موافقة التقعيد الإسلامي الصحيح، لا يجوز نفي مشروعيته، ولو كان في صيغة قانون وضعي أو حكم وضعي، وهذا من خصائص الشريعة الإسلامية المنبثقة عن شمولها وسموها ومرونتها وصلاحها لكل عصر ومصر وحال؛ فالقوانين الوضعية، منها ما يكون مندرجاً تحت ما يعرف بالسياسة العقلية؛ وهي سياسة لا تخلو من حق، سواء كانت في صيغة تقنينٍ محرّرٍ لا يخالف قانون العدل الإسلامي المتمثِّل في الشريعة الإسلامية، أو كانت في شكلٍ منظّمٍ لا تأباه أصول الشريعة وقواعدها؛ وما كان كذلك، فإنَّه مندرج في الشريعة، وإنْ حرّره أو تفوَّه به من ليس من أهلها؛ فالسياسة العادلة من الشريعة، وإن صدرت من غير المسلمين؛ فهي من جهة المشروعية معتبرة؛ ومن ثم تكون مجالاً قابلاً للإفادة منه فيما يحقق العدل الإسلامي.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: " السياسة نوعان: سياسة ظالمة، فالشريعة تحرمها؛ وسياسة عادلة تخرج الحق من الظالم الفاجر؛ فهي من الشريعة، عَلِمَها من عَلِمَها وجَهِلَها من جَهِلَها " (الطرق الحكمية: 5). و قال: " لا نقول: إن السياسة العادلة ليست مخالفة للشريعة الكاملة، بل هي جزء من أجزائها وباب من أبوابها، وتسميتها سياسة أمر اصطلاحي، وإلا فإذا كانت عدلاً فهي من الشرع " (إعلام الموقعين: 4/ 373).

وعليه؛ فإنَّ ما وافق الشريعة من القوانين الوضعية وكذلك ما لم يخالف شريعة الله تعالى من نصوص أو قواعد فهو منها عند التحقيق، لا ينبغي الوقوف منه ذات الموقف مما خالف شريعة الله عز وجل، وإن لم يكن مأخذه عند واضعه مأخذاً شرعياً؛ وعليه فإنَّ للمحامي ومن يعاونه: أن ينوب في الخصومة ويعمل في غيرها من أعمال المحاماة التي لا مخالفة فيها للشرع، وإن كان موضوع الخصومة مقنناً بمعزل عن مراعاة موافقته للشريعة أو عدم مخالفته لها - ما دام أن المضمون لا يخالف الشرع.

ورابعاً: أنَّ التنازع بين النَّاس أمر واقع لا محالة، ولم يخل منه عصر أو مصر، ولو تَرك أهل الحقوق حقوقهم للظلمة أو الجهلة؛ عجزاً عن استيفائها أو استردادها، لوقع الناس في هرج ومرج. ومن ثم فلا بد من فصلٍ في التنازع؛ فيلجأ الناس ضرورة للتحاكم إلى القوانين الوضعية، إذا لم يكن لهم خيار لهم سواها. فكان النّاس ما بين طالب يدّعي إليها أو مطلوب يُدّعى عليه أمامها.

ولا شكّ أنَّ وجود حكم ما، يحفظ قدراً من العدالة ويرد لهم حقوقهم أو بعضها، أقلُّ ضرراً على النّاس من بقائهم فوضى دون حكم.

ومن ثمّ فلا حرج على المحامي المسلم المستقيم، أن يستلم قضية خصومة لا يعرف مدى مشروعيتها بداية، ولا حرج على غيره في إعانته على ذلك، بشرط أن يتوقف عملهما فيها على نتيجة دراستها، فإذا تبيّنت حقيقتها؛ فإن كانت مشروعة لزمه المضي في القضية إن كانت بعوضٍ، وإن كانت غير مشروعة توقف عند نتيجة دراستها، وحرم عليه وعلى معاونيه المضي فيها مع علمهم أنَّها مبطلة، ويحق له أن يتقاضى عوضاً عن دراسة القضية فقط إذا اقتضاه العرف أو اشترطه.

وخامساً: أنَّ من عمل في وظيفة فيها ظلم من أجل رفع الظلم أو تخفيفه عن النّاس، فلا حرج عليه، ولو اقتضى منه ذلك إبقاء شيء من الظلم الأخف، ما دام قصده دفع الظلم الأشد ولا طريق إلى تخفيفه إلا بذلك؛ لأنَّه حينئذٍ يكون معيناً للمظلوم على رفع الظلم أو تخفيفه عنه، وليس معيناً للظالم على ظلمه.

وهذه من أعظم قواعد السياسة الشرعية التي حرّرها المحققون من علماء الإسلام، ومنهم أبو العباس ابن تيمية رحمه الله إذ يقرِّر أنَّ: " المعين على الإثم والعدوان، من أعان الظالم على ظلمه. أمّا من أعان المظلوم على تخفيف الظلم عنه، أو على أداء المظلمة، فهو وكيل المظلوم، لا وكيل الظالم " (التعليق على السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية [المتن]: 149). وهي قاعدة شرعية من دقائق الاستنباط من قواعد المقاصد، وهي مقتضى العقل الصحيح، ولذلك يرتضي المظلومُ وقوع هذا التصرف ويشكر فاعله متنازلا عن مطالبته بشيء مما نقصه، لكونه قد أحسن إليه بإعانته في استرداد بعض حقه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير