تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن رحمة الله بخلقه أنَّ لصاحب الحق أن يأخذ حقَّه، ولو بالظفر به، كما أنَّ له أن يأخذ بعض حقه إن لم يستطع أخذه كلّه، وهذا الحق قد يكون أمراً يطلبه من غيره، أو آخر يدفعه عن نفسه.

وسادساً: أنَّ حكم المحاماة والإعانة عليها يتعلق بأمرين رأيسين: أولهما: مشروعية موضوع المحاماة أو عدمها. وثانيهما: مشروعية الحكم المنتظر فيه أو عدمها. وهذان الأمران يتطلبان فقهاً شرعياً بالواقعة. فإذا وجد ذلك فلا حرج في امتهان المحاماة أو الإعانة عليها فيما لا محظور فيه.

فإذا كان موضوع المحاماة أو الخصومة مشروعاً، كطلب استيفاء حقٍ مالي مشروع أو دفع دعوى باطلة، فلا حرج في امتهان المحاماة فيها، وقد يؤجر على ذلك إذا كان صاحب الحق ضعيفا لا يقدر على الدفاع عن نفسه أو تحصيل حق، ومما يدل لذلك قول الله عز وجل: (فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْل)، و مفهوم قول الله عز وجل: (وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً)، إذ يفيد أن الخصومة لغير الخائنين ليست محلاً للنهي، وما ليس محلّ نهي فهو جائز، كما أنَّ الأصل في الشريعة الإسلامية: جواز التعاون على ما كان برَّاً،، كما في قول الله سبحانه: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) وردّ الحقوق إلى أصحابها، ودفع الظلم عن المظلومين مجال من مجالات البرّ والتقوى لمن أخلص وعلم فعمل.

وإن كان موضوع المحاماة والخصومة غير مشروع، كالمطالبة بفوائد ربوية، أو توثيق عقارٍ مغتصبٍ، وصياغة عقد استيراد بضائع محرّمة شرعاً، أو كانت البيِّنات والحجج باطلة، أو الوثائق المستند إليها مزورة، لم يجز له المضي فيها؛ لجملة من الأدلة، منها قول الله عز وجل: (وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً)، والأصل في الشريعة الإسلامية: منع التعاون على ما كان إثماً، كما في قول الله عز وجل: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).

وسابعاً: أنَّ مشروعية إقامة العدل في الجملة، لا تتوقف على وجود حكم إسلامي المضمون والإجراء، ولا العيش في ظله بالضرورة؛ فإنَّ العدالة حق مستَحَق؛ فالترافع أمام المحاكم التي تحكم بالقوانين الوضعية لأخذ الحق ودفع الظلم في المجتمعات الإسلامية وغيرها، أمر لا حرج فيه على المظلوم ولا على المحامي الذي ينوب عنه في دفع الظلم؛ لأنَّه لا سبيل له إلى تحصيل حقِّه إلا بذلك، وإنما الإثم والوزر على من قرّر الحكم بالقوانين الوضعية، وألزم الناس بالحكم بها والتحاكم إليها، وعلى من استند إلى تلك القوانين في إقرار ظلم أو دفعٍ عن مبطِل.

كما أنَّ مجالات المحاماة مجالات واسعة، ومنافذ إصلاح سلميّ شرعي متقدِّمة، ومنها ما قد يرقى إلى درجة الوجوب على من تعيّن عليه التغيير برؤية المنكر وقدرته على تغييره بالوسائل المتاحة. وكون المحاماة وسيلة تغيير سلمي فاعلة، أمر تفطن له أعداؤنا من اليهود، وأكّدوا أهميته ونصّوا على ذلك فيما يعرف ببروتوكولات حكماء صهيون!

والواقع يؤكِّده، فالمحامي حين يصوغ عقداً من العقود صياغة شرعية، مفيداً من قاعدة القانون في العقود (العقد شريعة المتعاقدين) فإنَّه يساهم في تصحيح عقود النَّاس وتوجيههم للصيغ المشروعة، وتحذيرهم من غيرها، فلا يعقد إلا عقدا مشروعا، ولا يصوغ إلا صياغة شرعية، وإذا ما وقعت خصومة فيه كان مدافعا عن عقد مشروع.

وكذلك ما نلمسه من أثر قوي للمحامين الأمناء في المساهمة في إلغاء أو تعديل بعض القوانين الجائرة، وفي نصرة المظلومين من المستضعفين، وفي تحقيق مطالب شعبية إسلامية بطرق سلمية باقية نافعة.

ومن ثمّ فقد يكون في ترك هذه المهنة من أهل العلم بها والخير والصلاح، ترك لمجال تعيّن عليهم الإصلاح فيه و به، فرادى كانوا أو جماعات من خلال نقابات المحامين مثلا، ولا سيما أنَّ رفع المظالم عن النّاس يتطلب وجود محامين أمناء على علم بالشرع ودراية بالواقع.

وخلاصة القول: أنَّ حكم عملك لدى محامٍ كمساعد إداري، يحضِّر ملفات القضايا ويحملها إلى المحاكم لتوثيقها، يرتبط بحكم ما تحضِّره وتوثّقه؛ فإن كان مشروعاً في الشريعة الإسلامية فعملك مشروع، وإن كان ما تحضِّره وتوثّقه مما ليس مشروعاً في الشريعة الإسلامية، وسعيك فيه يقرِّر مشروعيته، فإنَّه لا يجوز لك العمل فيه، وإن كان صحيحاً من الناحية القانونية.

وليكن معيار عملك قول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)، وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (انصر أخاك ظالما أو مظلوما).

ولعلّ مما يعينك على ذلك العمل مع محامٍ أمين صالح، ذي علم بالشريعة ومراعاة لأحكامها إن وجد، أو مع ذي فقه بالقوة، أي قادرٍ على بحث ما يشكل عليه شرعيته من المسائل، أو أن تتعاقد مع من تعمل معه على أنواع معينة من الأعمال والقضايا التي لا يتعارض العمل فيها مع الشريعة الإسلامية.

وفقنا الله وإياك لما فيه رضاه.

هذا ما تيسر بيانه، والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله.

انتهى النقل.

غفر الله للشيخ الكريم سعد

وأجزل له المثوبة والأجر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير