تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومما يَرِدُ على هذا القول أن مثل حالات المغتربين كانت تقع في المدينة في عهد النبي e وعهد الصحابة رضي الله عنهم، وهي مما يكثر وتعم بها البلوى، وتتوفر الدواعي والهمم على نقلها، لاسيما أنها خلاف المعهود، والمعهود هو أن المقيم المطمئن بسكن وتأهل في مدة طويلة لا يترخص.

وبعيد أن تقع مثل هذه الصور من الترخص المخالفة للمعهود ثم لا تجد من يسأل عنها، ولا من ينكرها من الصحابة والتابعين، لاسيما أنهم كانوا يقولون بانقطاع الرخصة فيما هو أقل من هذه الأحوال بكثير؛ فلما لم يكن ذلك دل على أنهم لم يكونوا يترخصون في مثل هذه الأحوال، وهم أحرص الناس على الأخذ بالرخصة، لاسيما في الصلاة.

القول السادس: أن للمرء الترخص برخص السفر حتى يرجع إلى وطنه.

حكاه الحافظ ابن عبد البر ولم يسمِّ قائله ([46]).

والاستيطان في اللغة هو الإقامة، والموطن كل مقام قام به الإنسان لأمر فهو موطن له ([47]). وعرَّفه الفقهاء بأنه نية الإقامة على التأبيد ([48]).

والقائلون بهذا القول يستدلون بالآثار المذكورة في أدلة القول الخامس.

ولعل وجه هذا الدليل أنهم ترخصوا لأنهم كانوا على نية الرحيل، أو لم يكونوا مستوطنين، وأنهم تركوا الرخصة حين كانوا في أوطانهم.

وهذا استدلالٌ بمسلك الطرد أو الدوران؛ فأما الأول فباطل عند جماهير الأصوليين، لما تقدم قريباً، وأما المسلك الثاني فمن شرط صحته عند القائلين به انتفاءُ المزاحم، والأوصاف المزاحمة لوصف الاستيطان موجودة متساوية؛ فلا اعتبار لأحدها دون الآخر إلا بدليل.

كما يرد على هذا القول الإيراد المذكور في الصحيفة السابقة.

أسباب الخلاف وآثاره والترجيح

أسباب الخلاف:

من عرض أدلة الأقوال ظهر أن خلاف العلماء يعود للأسباب الآتية:

1. دلالة حديث إقامة المهاجر على التحديد بأربعة أيام.

2. اعتبار حد الرخصة هو المدة التي قصر فيها e نازلاً مع علمنا بوقت ارتحاله، وكان ذلك في نزوله مكة للحج مدة أربعة أيام.

3. اعتبار الآثار الواردة عن بعض الصحابة في ذلك في حكم الرفع.

4. اعتبار أكثر مدة قصر فيها e نازلاً، وهي عشرون يوماً في تبوك.

5. اعتبار العرف لضبط الإقامة؛ لعدم الشرعي واللغوي.

6. أن سبب الرخصة هو تقييد النبي e نزوله بنهاية وقت أو عمل.

7. أن سببها هو عزم الرسول e على الرحيل، أو عدم نية الاستيطان.

8. طول مدة المكث التي كان يترخص فيه الرسول e والصحابة والتابعون.

ويُلحظ هنا أن هذه الأسباب ـــ عدا الخامس ـــ قد جعلت المعتبر في حد الإقامة هو الحقيقة الشرعية؛ كما هو ظاهر من استنباطات أصحابها.

آثار الخلاف:

تظهر آثار الخلاف والفرق بين كل قول وآخر فيما يلي:

1. أن القائلين بالتحديد بمدة سواء كانت أربعة أيام أو سواها يرون أن من نوى إقامة تلك المدة وجب عليه أن يقطع الترخص؛ فعند المالكية مثلاً من نوى إقامة أربعة أيام أتم، ومن نوى أقل منها ترخص.

2. أن القائلين بالعرف يحيلون على أهله في كل حال تعرض؛ ففي محل النزاع في الأزمنة المتأخرة: من نوى الإقامة للدراسة أو العمل في محل المثل وسكنه ومدته الطويلة؛ كسنة، بنية مستقرة فهو مقيم يُمنع من الترخص.

3. أن القائلين بالاستيطان حداً في هذه المسألة يرون أنه لا أثر لتحديد المدة أو الغرض وعدم ذلك؛ كما أنهم لا يرون أثراً للعرف؛ فما دام أن النازل لا يريد الإقامة على التأبيد فهو مسافر؛ فعلى هذا القول يُعتبر مسافراً من نزح من الأرياف والبوادي إلى المدينة لطلب الرزق، وهو يريد العودة إلى وطنه، ولو بعد حين.

4. أن القائلين بأثر تعليق الإقامة بمدة معينة أو إنجاز غرض معين يرون أن من أطلق إقامته من المدة والغرض فهو مقيم؛ فكثير من النازحين من القرى يُعتبرون على هذا القول من المقيمين لعدم وجود هذين الوصفين فيهم، وأن الطلبة المغتربين وأمثالهم في حكم المسافرين مهما غلب على ظنهم طول وقت الإقامة؛ لأنهم يُعَلِّقُون إقامتهم بإنهاء دراستهم، ومثل ذلك الموظفون الذين يرتبطون مع بعض الشركات بعقد عمل مدة سنتين مثلاً يُعتبرون على هذا القول من المسافرين لكونهم يعلقون إقامتهم بمضي مدة محددة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير