وقالوا إن المسلم يحتاج إلى أن يتقرب إلى الله تعالى بنوع من القرب المقصودة التي له رخصة تركها، لما يتعلق به من العاقبة الحميدة، وهي نيل الدرجات العلى والسعادة العظمى في 40 139 دار الكرامة، وطبعه لا يطاوعه على تحصيله، بل يمنعه عنه لما فيه من المضرة الحاضرة وهي المشقة، ولا ضرورة في الترك، فيحتاج إلى اكتساب سبب يخرجه عن رخصة الترك، ويلحقه بالفرائض الموظفة وذلك يحصل بالنذر لأن الوجوب يحمله على التحصيل خوفا من مضرة الترك، فيحصل مقصوده.
الاتجاه الثاني يرى أن النذر مكروه، وذلك عند المالكية والشافعية في الجملة والحنابلة في الصحيح من المذهب، على تفصيل عند بعضهم في نوع النذر الذي يوصف بذلك.
إلى هذا ذهب المالكية في النذر المكرر، وهو الذي يتكرر على الناذر فعله كصوم كل خميس، فإنه يكره لأنه يتكرر على الناذر في أوقات قد يثقل عليه فعله فيها، فيفعله بالتكليف من غير طيب نفس وخالص نية.
وهو قول الباجي وابن شاس في النذر المعلق، لأنه لم تتمحض فيه نية التقرب إلى الله تعالى، بل سلك الناذر فيه سبيل المعاوضات وأباحه ابن رشد.
وقال القرطبي المالكي إن النذر محرم في حق من يخاف عليه اعتقاد أن النذر يوجب حصول غرض عاجل، أو أن الله تعالى يفعل ذلك الغرض لأجل النذر، فإقدام من اعتقد ذلك على النذر محرم. وتكون الكراهة في حق من لم يعتقد ذلك.
ونقل القول بكراهة النذر عن نص الشافعي، وجزم به النووي من الشافعية، وقال الرملي من فقهائهم الأصح اختصاص الكراهة بنذر اللجاج لأنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل، بخلاف نذر التبرر فهو مندوب إليه، لأنه قربة ووسيلة إلى طاعة، والوسائل تأخذ حكم الغايات، ولأن الناذر يثاب على نذره ثواب الواجب.
والصحيح من المذهب عند الحنابلة أن النذر مكروه. قال البهوتي النذر بالمعنى المصدري مكروه ولو عبادة. وقال ابن حامد المذهب أنه مباح.
40 140 واستدل أصحاب هذا الاتجاه بالسنة والمعقول.
أما السنة النبوية فبما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال " (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر، وقال إنه لا يرد شيئا، وإنما يستخرج به من البخيل) ".
ووجه الدلالة منه نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النذر في الحديث، وقد اختلف العلماء في معنى النهي فيه فمنهم من حمله على حقيقته وهي الحرمة، قال القرطبي الذي يظهر لي هو التحريم في حق من يخاف عليه اعتقاد أن النذر يوجب حصول غرض معجل، أو أن الله يفعل ذلك الغرض لأجل النذر فيكون الإقدام على النذر- والحالة هذه- محرما. وتكون الكراهة في حق من لم يعتقد ذلك.
وأما المعقول فقالوا إن النذر لو كان مستحبا لفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، إلا أنهم لم يفعلوه، وعدم فعلهم له دليل على كراهته. (الموسوعة الفقهية)
في لقاء الباب المفتوح:
حكم النذر المباح:
السؤال: فضيلة الشيخ! مما درست أن هناك أنواعاً للنذر: فهناك نذر واجب، ونذر طاعة، ونذر مباح، ونذر معصية، وسمعت أن النذر المباح لا يجب القضاء فيه بل يجوز الكفارة، ويجوز أن يقضيه فكيف؟ الشيخ: ماهو النذر المباح الذي فهمت؟ السائل: مثلاً: يقول عليَّ نذر أن أقرأ كتاب كذا أو أبيع سيارتي؟