[أحكام العورات]
ـ[ابو عبدالرحمن العكروش]ــــــــ[26 - 07 - 07, 08:24 م]ـ
أحبيتي القراء .. هذا نص نفيس القدر للإمام النووي رحمه الله تكلم فيه عن العورات، ووالله لحري لهذا الكلام أن يُُكتََبََ بماء الذهب في وقت تفشى فيه العري بين الناس، وقل الحياء وانعدمت الشيم والمروءات عند الشباب والشابات، اترككم مع التووي رحمه الله ..
قال مسلم في (صحيحه): حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا زيد بن الحباب، عن الضحاك بن عثمان، قال: أخبرني زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد).
قال النووي رحمه الله تعالى: (وأما أحكام الباب ففيه تحريم نظر الرّجل إلى عورة الرجل, والمرأة إلى عورة المرأة, وهذا لا خلاف فيه. وكذلك نظر الرجل إلى عورة المرأة والمرأة إلى عورة الرجل حرام بالإجماع, ونبه صلى الله عليه وسلم بنظر الرجل إلى عورة الرجل على نظره إلى عورة المرأة وذلك بالتحريم أولى, وهذا التحريم في حق غير الأزواج والسادة, أما الزوجان فلكل واحد منهما النظر إلى عورة صاحبه جميعهاً إلا الفَرْج نَفْسه ففيه ثلاثة أوجه لأصحابنا: أصحها أنه مكروه لكل واحد منهما النظر إلى فَرْج صاحبه مِنْ غير حاجة وليس بحرام, والثاني أنه حرام عليهما, والثالث أنه حرام على الرجل مكروه للمرأة. والنظر إلى باطن فَرْجهَا أشدّ كراهة وتحريماً.
وأما السيد مع أمته فإنْ كان يَمْلِك وَطْأَهَا فهما كالزوجين, وإِنْ كانت مُحَرَّمَة عليه بِنََسَََبٍ كأخته وعمته وخالته أو برَضَاعٍ أو مصاهرة كأُمِّ الزوجة وبنْتها وزوجَة ابنه فهي كما إذا كانت حرة, وإِنْ كانت الأَمَةُ مجوسية أو مرتدة أو وثنية أو مُعْتَدَّة أو مُكَاتَبَة فهي كالأَمَةِ الأجنبية.
وأما نظر الرجل إلى محارمه ونظرهنَّ إليه فالصحيح أنه يُبَاح فيما فوق السُّرَّة وتحت الرُّكْبَة, وقيل: لا يَحِلُّ إلا ما يظهر في حال الخِدْمَةِ والتصرف. والله أعلم.
وأما ضَبْط العَوْرَة في حق الأجانب فعَوْرَة الرجل مع الرجل ما بين السُّرَّة والرُّكْبَة, وكذلك المرأة مع المرأة, وفي السُّرَّة والرُّكْبَة ثلاثة أَوْجُه لأصحابنا: أصحها ليستا بِعَوْرَةٍ, والثاني هما عَوْرَة، والثالث السُّرَّة عَوْرَة دُون الرُّكْبَة.
وأما نظر الرجل إلى المرأة فحرام في كُلّ شَيْء مِنْ بَدَنهَا فكذلك يَحْرُم عليها النظر إلى كُلّ شَيْء مِنْ بَدَنه سواء كان نظره ونظرها بشهوة أَمْ بغيرها. وقال بعض أصحابنا: لا يَحْرُم نظرها إلى وجه الرجل بغير شهوة, وليس هذا القول بشيء, ولا فرق أيضاً بين الأَمَة والحُرَّة إذا كانتا أجْنَبِيَّتَيْنِ, وكذلك يَحْرُم على الرجل النظر إلى وجه الأَمْرَدِ إذا كان حَسَنُ الصورة سواء كان نَظَرُهُ بشهوةٍ أَمْ لا, سواء أَمِنَ الفتنة أَمْ خافها. هذا هو المذهب الصحيح المختار عند العلماء المحَقِّقِينَ نَصَّ عليه الشافعي, وَحُذَّاقُ أصحابه رحمهم اللَّه تعالى, ودليله أَنَّهُ في معنى المرأة، فإنّه يُشْتَهَى كما تُشْتَهَى, وَصُورَته في الجَمَال كصورة المرأة, بل رُبَّما كان كثير منهم أَحْسَن صورةً مِنْ كثير مِنْ النّساء, بل هُمْ في التحريم أَوْلَى لمعنى آخر وهو أنه يَتَمَكَّنَ في حقهم مِنْ طُرُق الشر ما لا يَتَمَكَّنَ مِنْ مِثله في حق المرأة والله أعلم.
وهذا الذي ذكرناه في جميع هذه المسائل مِنْ تحريم النظر هو فيما إذا لم تكن حاجة, أما إذا كانت حاجة شرعية فيجوز النظر في حالة البيع والشراء والتَّطَبُّب والشَّهَادَة ونحو ذلك, ولكن يَحْرُم النّظر في هذه الحال بشهوة فإنّ الحاجة تُبِيح النظر للحاجة إليه, وأما الشهوة فلا حاجة إليها. قال أصحابنا: النظر بالشهوة حرام على كُلّ أحد غير الزوج والسَّيِّد حتى يَحْرُم على الإنسان النظر إلى أُمّه وبنته بالشهوةِ. والله أعلم.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا يُفْضِي الرَّجُل إلى الرَّجُل في ثوب واحد) وكذلك في المرأة مع المرأة. فهو نَهْيُ تحريم إذا لم يَكُنْ بينهما حائل, وفيه دليل على تحريم لَمْسِ عَوْرَة غيره بأيِّ موضع من بَدَنه كان, وهذا متفق عليه. وهذا مما تَعُمّ به البلوى وَيَتَسَاهَل فيه كثير من الناس باجتماع الناس في الحَمَّام, فيجب على الحاضِر فيه أَنْ يصون بَصَره وَيَده وغيرها عن عورة غيره, وأَنْ يصون عورته عن بصر غيره ويد غيره من قَيِّمٍ وغيره, ويجب عليه إذا رأى من يخل بشيء من هذا أَنْ يُنْكِرَ عليه. قال العلماء: ولا يَسْقُط عنه الإنكار بكونه يَظُنّ أَنْ لا يُقْبَل منه, بل يجب عليه الإنكار إلا أَنْ يَخَاف على نفسه وغيره فتنة. والله أعلم. وأما كشف الرجل عورته في حال الخلوة بحيث لا يراه آدَمِيّ فإنْ كان لحاجة جاز, وإِنْ كان لغير حاجة ففيه خلاف العلماء في كراهته وتحريمه, والأصح عندنا أنه حرام، ولهذه المسائل فروع وتَتِمَّاتٌ وَتَقْيِيدَاتٌ معروفة في كتب الفقه, وأشرنا هنا إلى هذه الأحْرُف لئلا يخلو هذا الكتاب مِنْ أصل ذلك. والله أعلم).
شرح النووي على مسلم: كتاب الحيض، باب تحريم النظر إلى العورات، حديث رقم (338).
¥