تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يَتَغَيّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مّنْ خَمْرٍ لّذّةٍ لّلشّارِبِينَ) محمد/ 15، وحرَّم الشرب في آنية الذهب والفضة على الرجال والنساء أيضاً؛ لأنها آنيتهم قال تعالى: (ادْخُلُواْ الْجَنّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ) الزخرف/ 71، فمن استعجل التمتع بذلك غير مبال ولا تائب , عوقب بحرمانه منها في الآخرة، جزاء وِفاقاً.

وما أحسن ما رواه الحاكم عن صفوان بن عبد الله بن صفوان قال: " استأذن سعد على ابن عامر , وتحته مرافق - وهي شيء يتكأ عليه شبيه بالوسادة - من حرير , فأمر بها فرفعت , فدخل عليه وعليه مِطْرف خز , فقال له: استأذنت عليَّ وتحتي مرافق من حرير فأمرت بها فرفعت , فقال له: نعم الرجل أنت يا ابن عامر، إن لم تكن ممن قال الله عز وجل (أَذْهَبْتُمْ طَيّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدّنْيَا) الأحقاف/ 20 , والله لأن أضطجع على جمر الغضا أحب إليَّ من أن أضطجع عليها " صحيح، على شرط مسلم. " انتهى

على أن التمتع بالطيبات من الرزق، وإن كان مباحا، إلا أنه لا ينبغي أن يكون غالب شأن الإنسان، ولا ينبغي له أن يعود نفسه على التنعم والإرفاه، فليس ذلك من شأن المنشغلين بالآخرة، كما في مسند الإمام أحمد (21600) عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَ بِهِ إِلَى الْيَمَنِ قَالَ: (إِيَّاكَ وَالتَّنَعُّمَ فَإِنَّ عِبَادَ اللَّهِ لَيْسُوا بِالْمُتَنَعِّمِينَ) حسنه الألباني في صحيح الجامع.

ومن السلف من كان يعد ذلك، بل ما هو دونه، من إذهاب الطيبات:

روى البخاري (1274) أن عبد الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أتي يَوْمًا بِطَعَامِهِ فَقَالَ:

" قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَكَانَ خَيْرًا مِنِّي فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إِلَّا بُرْدَةٌ وَقُتِلَ حَمْزَةُ أَوْ رَجُلٌ آخَرُ خَيْرٌ مِنِّي فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إِلَّا بُرْدَةٌ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عُجِّلَتْ لَنَا طَيِّبَاتُنَا فِي حَيَاتِنَا الدُّنْيَا ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي ".

وفي رواية للبخاري (4045): (وَقَدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي حَتَّى تَرَكَ الطَّعَامَ).

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:

" وَفِي الْحَدِيثِ فَضْلُ الزُّهْدِ , وَأَنَّ الْفَاضِلَ فِي الدِّينِ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ التَّوَسُّعِ فِي الدُّنْيَا لِئَلَّا تَنْقُصَ , حَسَنَاتُهُ , وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِقَوْلِهِ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا قَدْ عُجِّلَتْ ".

وروى مالك في الموطأ (1742) أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَدْرَكَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَمَعَهُ حِمَالُ لَحْمٍ فَقَالَ: " مَا هَذَا فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَرِمْنَا إِلَى اللَّحْمِ فَاشْتَرَيْتُ بِدِرْهَمٍ لَحْمًا فَقَالَ عُمَرُ أَمَا يُرِيدُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَطْوِيَ بَطْنَهُ عَنْ جَارِهِ أَوْ ابْنِ عَمِّهِ أَيْنَ تَذْهَبُ عَنْكُمْ هَذِهِ الْآيَةُ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا " في إسناده انقطاع، وضعفه الألباني.

قال الحليمي رحمه الله: " وهذا الوعيد من الله تعالى، وإن كان للكفار الذين الذين يقدمون على الطيبات المحظورة، ولذلك قال: {اليوم تجزون عذاب الهون}، فقد يخشى مثله على المنهمكين في الطيبات المباحة؛ لأن من تعودها مالت نفسه إلى الدنيا فلم يؤمن أن يرتبك في الشهوات والملاذ، كلما أجاب نفسه إلى واحدة منها دعته إلى غيرها، فيصير إلى أن لا يمكنه عصيان نفسه في هوى قط، وينسد باب العبادة دونه؛ فإذا آل الأمر به إلى هذا لم يبعد أن يقال: {أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها}؛ فلا ينبغي أن تُعود النفسُ ما يميل بها إلى الشره، ثم يصعب تداركها، ولتُرَضْ من أول الأمر على السداد، فإن ذلك أهون من أن تَدْرَب على الفساد، ثم يجتهد في إعادتها إلى الصلاح، والله أعلم. " انتهى.

نقله الببيهقي في شعب الإيمان (7/ 462 - 463).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله ـ فتح الباري (9/ 106):

" والحق أن ملازمة استعمال الطيبات تفضي إلى الترفُّه والبطر، ولا يأمن من الوقوع في الشبهات؛ لأن من اعتاد ذلك قد لا يجده أحيانا، فلا يستطيع الانتقال عنه، فيقع في المحظور، كما أن منع تناول ذلك أحيانا يفضي إلى التنطع المنهي عنه، ويَرِد عليه صريح قوله تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) الأعراف: 26، كما أن الأخذ بالتشديد في العبادة يفضي إلى الملل القاطع لأصلها، وملازمة الاقتصار على الفرائض مثلا، وترك التنفل يفضي إلى إيثار البطالة وعدم النشاط إلى العبادة، وخير الأمور الوسط " انتهى.

والخلاصة:

أن الذين أذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا طائفتان:

الأولى: الكفار والمشركون.

والثانية: العصاة الذين وقعوا في المعاصي مما له نظير في الجنة، ولم يُطهَّروا من آثارها بحدٍّ، أو توبة، أو مغفرة من الله تعالى.

ولا يدخل في هؤلاء من تنعَّم بالمباحات والطيبات وأدى شكرها، لكن لا ينبغي أن يعود الإنسان نفسه الترف والتنعم، لما يخشى عليه من الوقوع في الشبهة أو الحرام، أو الانشغال بها عما هو أولى، وتبرم نفسه إذا فقدها.

والله أعلم

الإسلام سؤال وجواب

http://www.islam-qa.com/index.php?ref=96983&ln=ara&txt= وشارب الخمر في الدنيا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير