وَلَا إلَهَ إلّا اللّهُ مَا أَنْعَمَ عَيْشِ مَنْ ضَرَبَ فِي كُلّ خَصْلَةٍ مِنْ تِلْكَ الْخِصَالِ الْمَحْمُودَةِ بِسَهْمِ، وَكَانَتْ هِمّتُهُ دَائِرَةً عَلَيْهَا حَائِمَةً حَوْلَهَا، فَلِهَذَا نَصِيبٌ وَافِرٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [الِانْفِطَارُ 13]
وَلِذَلِكَ نَصِيبٌ وَافِرٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنّ الْفُجّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الِانْفِطَارُ 14]
وَبَيْنَهُمَا مَرَاتِبُ مُتَفَاوِتَةٌ لَا يُحْصِيهَا إلّا اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
وَالْمَقْصُودُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ أَكْمَلَ الْخَلْقِ فِي كُلّ صِفَةٍ يَحْصُلُ بِهَا انْشِرَاحُ الصّدْرِ وَاتّسَاعُ الْقَلْبِ وَقُرّةُ الْعَيْنِ وَحَيَاةُ الرّوحِ، فَهُوَ أَكْمَلُ الْخَلْقِ فِي هَذَا الشّرْحِ وَالْحَيَاةِ وَقُرّةِ الْعَيْنِ مَعَ مَا خُصّ بِهِ مِنْ الشّرْحِ الْحِسّيّ، وَأَكْمَلُ الْخَلْقِ مُتَابَعَةً لَهُ أَكْمَلُهُمْ انْشِرَاحًا وَلَذّةً وَقُرّةَ عَيْنٍ، وَعَلَى حَسَبِ مُتَابَعَتِهِ يَنَالُ الْعَبْدُ مِنْ انْشِرَاحِ صَدْرِهِ وَقُرّةِ عَيْنِهِ وَلَذّةِ رُوحِهِ مَا يَنَالُ، فَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - َ فِي ذُرْوَةِ الْكَمَالِ مِنْ شَرْحِ الصّدْرِ وَرَفْعِ الذّكْرِ وَوَضْعِ الْوِزْرِ، وَلِأَتْبَاعِهِ مِنْ ذَلِكَ بِحَسْبِ نَصِيبِهِمْ مِنْ اتّبَاعِهِ وَاَللّهُ الْمُسْتَعَانُ.
وَهَكَذَا لِأَتْبَاعِهِ نَصِيبٌ مِنْ حِفْظِ اللّهِ لَهُمْ وَعِصْمَتِهِ إيّاهُمْ وَدِفَاعِهِ عَنْهُمْ وَإِعْزَازِهِ لَهُمْ وَنَصْرِهِ لَهُمْ بِحَسْبِ نَصِيبِهِمْ مِنْ الْمُتَابَعَةِ فَمُسْتَقِلّ وَمُسْتَكْثِرٌ.
فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللّهَ. وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنّ إلّا نَفْسَهُ.» اهـ
.......................
(ا) قال محققه: لم يروه الترمذي كما ذكر المؤلف، وقد أخرجه الطبري 8/ 27 من حديث ابن مسعود، وذكره السيوطي في الدر المنثور 3/ 44 وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة، وابن أبي الدنيا، وأبي الشيخ، وابن مردويه، والحاكم، والبيهقي في الشعب من طرق، قال الحافظ ابن كثير 2/ 174 بعد أن ذكره عن عبد الرزاق وابن أبي حاتم وابن جرير، فهذه طرق لهذا الحديث مرسلة ومتصلة يشد بعضها بعضا.
(زاد المعاد) (2/ 23 - 27)
ـ[محمود آل زيد]ــــــــ[22 - 11 - 07, 03:26 م]ـ
كثيرة هي كلمات شيخ الإسلام ابن القيم التي حقها أن تكتب بماء العين ...
قال – طيب الله ثراه -:
( ... المصالح، والخيرات، واللذات، والكمالات كلها لا تنال إلا بحظ من المشقة، ولا يعبر إليها إلا على جسر من التعب.
وقد أجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم لا يدرك بالنعيم، وأن من آثر الراحة فاتته الراحة، وأن بحسب ركوب الأهوال، واحتمال المشاق تكون الفرحة واللذة.
فلا فرحة لمن لا هم له، ولا لذة لمن لا صبر له، ولا نعيم لمن لا شقاء له، ولا راحة لمن لا تعب له، بل إذا تعب العبد قليلا استراح طويلا، وإذا تحمل مشقة الصبر ساعة قاده لحياة الأبد، وكل ما فيه أهل النعيم المقيم فهو صبر ساعة، والله المستعان، ولا قوة إلا بالله،،،
وكلما كانت النفوس أشرف، والهمة أعلا كان تعب البدن أوفر، وحظه من الراحة أقل،
كما قال المتنبي:
وإذا كانت النفوسُ كبارًا - تعبت في مرادها الأجسام
وقال ابن الرومي:
قلب يظل على أفكاره ويَدُ - تُمْضِي الأمورَ ونفسُ لهوها التعَبُ
وقال مسلم في صحيحه، قال يحيى بن أبي كثير: لا ينال العلم براحة البدن.
ولا ريب عند كل عاقل أن كمان الراحة بحسب التعب، وكمال النعيم بحسب تحمل المشاق في طريقه، وإنما تخلص الراحة واللذة والنعيم في دار السلام، فأما في هذه الدار فكلا ولما.)
مفتاح دار السعادة (2/ 15 - 16).
ـ[محمود آل زيد]ــــــــ[13 - 12 - 07, 12:12 م]ـ
قال شيخ الإسلام ابن القيم - طيب الله ثراه -:
" ...
فكل من أحب شيئًا غير الله عُذبَ به ثلاث مرات في هذه الدار: فهو يعذب به قبل حصوله حتى يحصل، فاذا حصل عذب به حال حصوله بالخوف من سلبه وفواته، والمتغيص (-) والتنكيد عليه، وأنواع المعارضات، فاذا سلبه اشتد عذابه عليه ... ".
الجواب الكافي صـ 51.
............
(-) لعلها: التنغيص.
ـ[محمود آل زيد]ــــــــ[31 - 12 - 07, 09:37 م]ـ
قال شيخ الإسلام ابن القيم - رحمه الله -:
(قال - تعالى -: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (فصلت: 33).
وقال - تعالى -: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (يوسف: 108)،
وسواء كان المعنى:
أنا ومن اتبعني يدعو إلى الله على بصيرة،
أو كان الوقف عند قوله (ادعو إلى الله)، ثم يبتدئ (على بصيرة انا ومن اتبعني)؛ فالقولان متلازمان، فإنه أمره - سبحانه - أن يخبر أن سبيله الدعوة إلى الله،
فمن دعا إلى الله - تعالى -؛ فهو على سبيل رسوله، وهو على بصيرة، وهو من اتباعه،
ومن دعا إلى غير ذلك؛ فليس على سبيله، ولا هو على بصيرة، ولا هو من اتباعه،
فالدعوة إلى الله - تعالى - هي وظيفة المرسلين واتباعهم، وهم خلفاء الرسل في أممهم، والناس تبع لهم،
والله - سبحانه - قد أمر رسوله أن يبلغ ما أُنْزِل إليه، وضمن له حفظه وعصمته من الناس، وهكذا المبلغون عنه من أمته لهم من حفظ الله وعصمته إياهم بحسب قيامهم بدينه، وتبليغهم لهم،
وقد أمر النبي بالتبليغ عنه ولو آية، ودعا لمن بلغ عنه ولو حديثا،
وتبليغ سنته إلى الأمة أفضل من تبليغ السهام إلى نحور العدو؛ لأن ذلك التبليغ يفعله كثير من الناس، وأما تبليغ السنن فلا تقوم به إلا ورثة الأنبياء وخلفاؤهم في أممهم.
جعلنا الله - تعالى - منهم بمنه وكرمه)
ا. هـ
" جلاء الأفهام " (1/ 415).
¥