إِنَّمَا يَصْعَد الْكَلِم الطَّيِّب وَالْعَمَل الصَّالِح. وَالرَّابِع: مَعْنَاهُ وَالشَّرّ لَيْسَ شَرًّا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْك فَإِنَّك خَلَقْته بِحِكْمَةٍ بَالِغَة، وَإِنَّمَا هُوَ شَرٌّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَخْلُوقِينَ. وَالْخَامِس: حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ أَنَّهُ كَقَوْلِك فُلَان إِلَى بَنِي فُلَان إِذَا كَانَ عِدَاده فِيهِمْ أَوْ صَفُّوهُ إِلَيْهِمْ " (شرح النووي على صحيح مسلم ج3 ص121 نسخة المكتبة الشاملة)
وقد حفل القراّن الكريم بالعديد من المواضع التي بها ترسيخ هذا المعنى وتأكيده ومما علمتُه في هذا الباب:
1 - قوله تعالى في سورة يوسف: " وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ " (يوسف 100)
فنرى أن يوسف - عليه الصلاة والسلام - قد نسب تحقيق الرؤيا وخروجه من السجن ومجيء أهله إليه إلى ربه عز وجل، أما ما حدث بينه وبين إخوته فإنه نسبه إلى الشيطان ولم ينسبه إلى ربه عز وجل تأدبا.
2 - قوله تعالى في سورة الكهف: " أمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82) "
فانظر كيف أن الخضر عليه السلام قال في خرق السفينة: (فأردُ أن أعيبها) بينما قال في سبب إقامته للجدار: (فأراد ربك أن يبلغا أشدهما .... ) وذلك لأن في خرق السفينة عيبا لا يليق أن ينسب إلأى الله عز وجل حتى وإن كان أصل الفعل خيرا.
3 - قوله عز وجل في سورة الشعراء: " الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) "
فقد نسب خليل الرحمن عليه الصلاة والسلام الخلق والهداية والإطعام والسقاية والشفاء والإماتة والإحياء والمغفرة إلى ربه عز وجل أما المرض فقد نسبه إلى نفسه فقال: (وإذا مرضتُ) ولم يقل وإذا أمرضني.
4 - قوله عز وجل في سورة الجن: " وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10) "
قال ابن كثير رحمه الله: " أي: ما ندري هذا الأمر الذي قد حدث في السماء، لا ندري أشر أريد بمن في الأرض، أم أراد بهم ربهم رشدا؟ وهذا من أدبهم في العبارة حيث أسندوا الشر إلى غير فاعل، والخير أضافوه إلى الله عز وجل. وقد ورد في الصحيح: "والشر ليس إليك"."
فهذا ما أعلمه في هذا الباب، وأرجو من أي أخ يعلم المزيد أن لا يبخل علينا، و لا أنسى أن أدعوَ لشيخي ومعلمي فضيلة الدكتور محمد بن إسماعيل المقدم حفظه الله فقد ذكرني هذا الموضوع بأوائل الأيام التي جلست فيها تحت قدمي الشيخ، وتحدث حفظه الله عن هذا الموضوع، فاللهم بارك له في عمره وعلمه وعمله وذريته وووفقه إلى ما تحب وترضى ووفقه إلى المزيد واجعله للمتقين إماما وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اّله وصحبه وسلم.
ـ[عبد الباسط بن يوسف الغريب]ــــــــ[24 - 07 - 07, 12:11 ص]ـ
جزاك الله خيرا
ومن ذلك سورة الفاتحة
قال ابن كثير:وقوله {وإذا مرضت فهو يشفين} أسند المرض إلى نفسه وإن كان عن قدر الله وقضائه وخلقه ولكن أضافه إلى نفسه أدبا كما قال تعالى آمرا للمصلي أن يقول {اهدنا الصراط المستقيم} إلى آخر السورة فأسند الإنعام والهداية إلى الله تعالى والغضب حذف فاعله أدبا وأسند الضلال إلى العبيد.
ـ[محمد العبادي]ــــــــ[24 - 07 - 07, 08:17 م]ـ
جزاكم الله خيرا أخي الفاضل عبد الباسط وبارك فيكم وشرفني مروركم الكريم.