ومن هنا نعلم أنه ليس ثمة أجر على بناء البيوت لذاتها، وإلا لصار الأغنياء الذين يبنون القصور بعشرات الملايين من أصحاب الدرجات العليا في الجنة! فالدينار الذي ينفقه المسلم على بناء بيته ليس له ما يقابله من الأجر في الآخرة، وعسى المرء أن يسلم من الإثم، فإن أُجر فإنما يؤجر على نيته في الحفاظ على أسرته وأهل بيته من الضياع، وعلى إيوائهم في مسكن يحفظ كرامتهم وأعراضهم، وأما على ذات البناء فليس ثمة أجر، وهو معرض للإثم والعقوبة في حال الإسراف، وقصد التفاخر والتباهي.
وقد خرَّج علماء اللجنة الدائمة أحاديث في ذم البناء، ثم قالوا بعدها:
هذه الأحاديث وما جاء في معناها: منها ما هو صحيح، ومنها ما هو حسن، ومنها ما ليس بصحيح، فما كان منها حجة: فهو محمول على ذم من فعل ذلك للتباهي، والإسراف، والتبذير، فإن هذا يختلف باختلاف الأحوال، والأشخاص، والأمكنة، والأزمنة، وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله صلى الله عليه وسلم لما سأله جبريل عن علامات الساعة: (وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاه يتطاولون في البنيان)، قال ابن رجب في شرح هذا الحديث: " والمراد أن أسافل الناس يصيرون رؤساءهم، وتكثر أموالهم، حتى يتباهون بطول البنيان، وزخرفته، وإتقانه "، وذكر النووي هذا المعنى في " شرح صحيح مسلم "، حينما تكلم على هذا الحديث.
أما إذا طال البنيان لغرض شرعي، كتوفير المرافق والمساكن للمحتاجين، أو لاتخاذها سبيلاً للكسب، أو لكثرة مَن يعول، ونحو ذلك: فلا شيء في ذلك فيما يظهر لنا؛ فإن الأمور بمقاصدها، قال صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) والحديث أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين عن عمر رضي الله عنه.
الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن منيع.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (4/ 490).
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
ذُكر لنا أن كل عمل ابن آدم يؤجر عليه إلا بناء المسكن، فهل هذا صحيح؟ فإذا كان صحيحاً فما العلة؟ وما السبب؟، مع ذكر الحديث الذي ورد في ذلك، جزاكم الله خير الجزاء؟.
فأجاب:
نعم، هذا ورد في الإنسان الذي يصرف ماله في الطين، أي: في البناء الذي لا يحتاج إليه، وأما البناء الذي يحتاج إليه: فإنه من ضروريات الحياة، والإنسان إذا أنفق على نفسه ما هو من ضروريات الحياة: فإنه يؤجر على ذلك إذا أنفقه يبتغي به وجه الله عز وجل؛ لكن المفاخرة والتطاول في البنيان هو الذي لا خير فيه، بل ليس فيه إلا إضاعة المال، أما ما يبنيه الإنسان لحاجته: فإنه يؤجر على ذلك، إذا ابتغى به وجه الله؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لسعد بن أبي وقاص: (واعلم أنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعله في فم امرأتك).
" اللقاء الشهري " (15 / السؤال رقم 6).
وتنظر الأحاديث وأقوال بعض العلماء في المسألة في جواب السؤال رقم (21658 ( http://www.islam-qa.com/index.php?ref=21658&ln=ara) ) .
رابعاً:
وبه تعلم حكم بناء البيت الذي تود زوجتك أن تشتريه لهم، ونلخص لك ذلك في نقاط:
1. لا يجوز شراء البيت من مصادر محرَّمة، كالقروض الربوية، وأموال الغصب.
2. ليس ثمة أجر على مجرد بناء البيت، إلا أن يقصد صاحبه إيواء أهل بيته، وحفظهم من الحر والبرد، فيؤجر على نيته، لا على ذاته بيته.
3. لا يجوز للمسلم بناء بيت أو شرائه بقصد التباهي والتفاخر، فإن فعل ذلك: أَثم.
4. لا مانع من أن يشتمل البيت على بركة سباحة، أو حديقة، لكن على أن يكون ذلك من غير إسراف ومبالغة في حجمهما وأثمانهما، والبيت الواسع من السعادة لصاحبه.
عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (أَرْبَعٌ مِنَ اَلسعَادَةِ: الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَالْمَسْكَنُ الوَاسِعُ، وَاَلجَارََُُّ الصَّالِحُ، وَالْمَرْكَبُ اَلهَنِيءُ، وَأَرْبَغ مِنَ اَلشًقَاوَةِ: اَلْجَارُ السُّوءُ، وَالْمَرْأَةُ اَلسُّوءُ، وَالْمَسْكَنُ اَلضيقُ، وَالْمَرْكَبُ السُّوءُ).
¥