تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

التنبيه على حكم الاستنجاء من خروجِ الريح.

ـ[خليل الفائدة]ــــــــ[17 - 04 - 09, 02:18 ص]ـ

هذه ورقةٌ كتبتُها بعدَ جدالٍ جادلنيه أحد المعلِّمين، وقرَّر أنه لابدَّ من الاستنجاء لمن أراد الوضوء إذا خرجَ منه ريحٌ، وذلك بعدما بيَّنتُ لجماعة المسجدِ أنَّ هذا من أخطاء الطهارة، ثم كتبتها؛ لتوزيعها.


«التنبيهُ على حُكْمِ الاسْتِنْجَاءِ مِنْ خُرُوْجِ الرِّيْحِ»

الحَمْدُ للهِ وَحْدَه، والصَّلاةُ والسَّلامُ على مَنْ لا نبيَّ بعدَه؛ أمَّا بعدُ:
فإنَّ الصلاةَ هي آكَدُ أركانِ الإسلامِ؛ إذْ هِيَ الرُّكْنُ الثَّاني بعدَ الشَّهادتين، ولذلكَ؛ فإنَّ معرفةَ أحكامِها مِنْ شُرُوطٍ، وأركانٍ، وواجباتٍ، وسُنَنٍ أمرٌ ينبغي للمسلمِ العنايةُ به، وتعلُّمُه، وتعليمُه.
وثمَّةَ مَسْألةٌ مُهِمَّةٌ تختلطُ على كثيرٍ من المتعلِّمين؛ فضلاً عن الجاهلينَ، مما رَسَّخَ الخطأَ في عُقُولِ كثيرٍ منهم، وهي المسألةُ المشارُ إليها في عنوانِ هذه الأُكْتُوبَة، أرجو من اللهِ أن يكونَ هذا من تبليغِ العِلْمِ، ونُصْرَةِ السُّنَّة.
وصُوْرَةُ هذِه المسألةِ: أنَّ كثيراً من المصلِّينَ إذا أرادَ أن يتوضأَ؛ دخلَ الخلاءَ (الحمَّامَ)، وغَسَلَ فَرْجَيْهِ، دونَ أنْ تكونَ هناك حاجةٌ من غائطٍ أو بولٍ، أو يكون قد خرجَ منه الرِّيحُ؛ فيدخل الخلاءَ، ويغسلُ فرجيه، ويرى أنَّ هذا الفِعْلَ من التَّطَهُّرِ، ويداومُ على ذلك كلَّما أرادَ الوضوءَ.
وبيانُ حُكْمِ هذه المسألةِ أنْ يُقَال:
* إنَّ خروجَ الرِّيحِ مِن الدُّبُرِ ينقضُ الوُضُوءَ بإجماعِ أهل العلمِ؛ لقولِ النبيِّ ^ عندما سُئلَ عن الرجلِ يُخيَّلُ إليه أنَّه يجدُ الشيءَ في الصلاة: «لا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتاً أو يَجِدَ رِيْحاً» – كما في حديثِ عبدِ الله بن زيدٍ t في الصَّحِيْحَيْنِ -. فدلَّ ذلكَ على أنَّ خُرُوجَ الرِّيحِ من الدُّبرِ ناقِضٌ للوضوءِ، وعليه اتَّفَقَ العلماءُ- كما سَيأتي بيانُه إن شاءَ اللهُ -.
أمَّا حُكْمُ الاستنجاءِ لمن خرجَ منه الرِّيح؛ فليسَ بمشروعٍ (أي ليسَ بواجبٍ، ولا سنَّة)، بل ذهبَ جَمْعٌ من الفقهاءِ إلى كراهتهِ أو تحريمِه!، وهذا القولُ- أي: عدم مشروعيَّتِهِ - قولُ أكثرِ أهلِ العلمِ من السَّلفِ والخلفِ، وهو مُعْتَمَدُ المذاهبِ الأربعةِ (المذهبِ الحنفيِّ، والمالكيِّ، والشافعيِّ، والحنبليِّ)؛ خلافاً لمن شذَّ، ودُونَك نصوصهم في ذلك.
· مذهب الحنفيَّة: قال الكاساني - رحمه الله -: (لا اسْتِنْجَاءَ فِي الرِّيحِ؛ لأنَّهَا لَيْسَتْ بِعَيْنٍ مَرْئِيَّةٍ). بدائع الصنائع (1/ 83). والاستنجاءُ من الريحِ= من البدعِ عندهم؛ كما في تبيين الحقائق (1/ 372)، وحاشية ابن عابدين (1/ 335)، ومراقي الفلاح (ص: 18)
· مذهب المالكيَّة: في المدَوَّنة (1/ 117): «وَقَالَ مَالِكٌ {رحمه الله}: لا يُسْتَنْجَى مِنْ الرِّيحِ، وَلَكِنْ إنْ بَالَ أَوْ تَغَوَّطَ؛ فَلْيَغْسِلْ مَخْرَجَ الْأَذَى وَحْدَهُ فَقَطْ».
· مذهب الشَّافعيَّة: قال النَّوويُّ - رحمه الله - في المجموع (2/ 113): «وأجمعَ العلماءُ على أنه لا يجبُ الاستنجاءُ من الرِّيحِ «.
· مذهب الحنابلة: قال الإمامُ أَحْمَدُ - رحمه الله -: (لَيْسَ فِي الرِّيحِ اسْتِنْجَاءٌ، لا فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلا فِيسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ^!). نقلَهُ ابنُ قدامةَ - رحمه الله - في المغني (1/ 100) بعد قوله: «وليسَ على من نامَ، أو خرجت منه رِيْحٌ استنجاءٌ، ولا نعلم في هذا خلافا».
وقال الشيخُ ابنُ عُثَيْمِين - رحمه الله – في الشرح الممتع (1/ 140):
«ويُستثنى من ذلك {أي الخارج من السبيلَيْن} الرِّيحُ؛ لأنها لا تُحْدِثُ أثراً فهي هواءٌ فقط، وإِذا لم تُحْدِثْ أثراً في المحلِّ فلا يجبُ أنْ يُغسَلَ؛ لأنَّ غَسْلَه حينئذٍ نوعٌ من العبث، وسواء كان لها صوتٌ أم لا، فهي طاهِرةٌ، وإِن كانت رائحتُها خبيثةً».
فهذه نُصُوْصُ الأئمةِ في ذلك، كلُّهم - كما ترى - يحكي عدمَ شرعيَّةِ هذا العمل، بل جعله بعضُ العلماءِ من المحدثاتِ؛ إذْ فيه التزامٌ بعبادَةٍ لم يأتِ بها الشَّرْعُ على وجهٍ يُضاهي المشروعَ، فلم يَبْقَ للمداومِ على فعلِ ذلكَ كلَّما أرادَ الوضوءَ دليلٌ؛ إلاَّ ما ألِفَه واعتادَهُ مما لم يدلّ على فعلِه دليلٌ شرعيٌّ، فينبغي للمسلمِ الحرصُ على السُّنَّةِ، والوقوفُ عِندها؛ إذْ فيها فلاحُهُ، وفَوْزُهُ.
واللهُ أعلم.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير