تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(وَهُوَ تَقْدِيرُ الْأَجَلِ الْخَاصِّ، وَهُوَ عُمُرُ كُلِّ إِنْسَانٍ)

و ثانيًا:

فإن الإيمان بكتابة المقادير يكون إيمانًا بخمس تقديرات:

التقدير الأول: التقدير الأزلي:

و هو كتابة مقادير الخلائق في اللوح المحفوظ.

قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد 22].

التقدير الثاني: كتابة الميثاق:

و هو كنايةٌ عن الفطرة التي يشهد بها قلب العبد؛ و ليس حجة مستقلة على العباد.

قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ القِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف 172]

التقدير الثالث: التقدير العمري عند تخليق النطفة في الرحم.

قال صلى الله عليه و سلم: ((إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما. ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك. ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك. ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح. و يؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد. فوالذي لا إله غيره! إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع. فيسبق عليه الكتاب. فيعمل بعمل أهل النار. فيدخلها. وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار. حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع. فيسبق عليه الكتاب. فيعمل بعمل أهل الجنة. فيدخلها)) [مسلم 2643]

فأنت ترى في الحديث أن الله قد جمع خلق الإنسان في بطن أمه أربعين يومًا نطفة؛ ثم مثلها علقة؛ ثم مثلها مضغة – على خلاف هل كل ذلك في أربعين يومًا أم في مئة و عشرين و الصحيح الأول للترتيب بثم -؛ فهذا خلقه.

ثم يبعث الله الملك فينفخ فيه الروح و يأمر الملك بكتابة الرزق و الأجل و العمل و المآل؛

و هذا هو التقدير الخاص أو بكلماتٍ أخرى هو كتابة هذه المقادير الأربعة في كتابٍ خاص بعد الخلق ..

التقدير الرابع: التقدير الحوْلي في ليلة القدر

قال تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان 4]

قال ابن كثير: (أَيْ: فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ يُفْصَلُ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إِلَى الْكَتَبَةِ أَمْرُ السَّنَةِ، وَمَا يَكُونُ فِيهَا مِنَ الْآجَالِ وَالْأَرْزَاقِ، وَمَا يَكُونُ فِيهَا إِلَى آخِرِهَا. وَهَكَذَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي مَالِكٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالضَّحَّاكِ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ.)

التقدير الخامس: التقدير اليومي.

و هو سَوْقُ المقادير إلى مواقيتها التي قٌدِّرت لها فيما سبق.

قال تعالى: {يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن 29]

قال ابن كثير: (قَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ: (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)، قَالَ: مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُجِيبَ دَاعِيًا، أَوْ يُعْطِيَ سَائِلًا أَوْ يَفُكَّ عَانِيًا، أَوْ يَشْفِيَ سَقِيمًا.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ يُجِيبُ دَاعِيًا، وَيَكْشِفُ كَرْبًا، وَيُجِيبُ مُضْطَرًّا وَيَغْفِرُ ذَنْبًا.

وَقَالَ قَتَادَةُ: لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، يُحْيِي حَيًّا، وَيُمِيتُ مَيِّتًا، وَيُرَبِّي صَغِيرًا، وَيَفُكُّ أَسِيرًا، وَهُوَ مُنْتَهَى حَاجَاتِ الصَّالِحِينَ وَصَرِيخُهُمْ، وَمُنْتَهَى شَكْوَاهُمْ).

و التقديرُ اليوميُّ هو تفصيلٌ من التقديرِ الحَوْلِيِّ،

و الحَوْلِيِّ تفصيلٌ من العُمري عند تخليق النُّطفة و كذا عند تخليق الطين كما في الآية و يدلُّ عليه قول ابن كثيرٍ في تفسير الآية بأنه (وَهُوَ تَقْدِيرُ الْأَجَلِ الْخَاصِّ، وَهُوَ عُمُرُ كُلِّ إِنْسَانٍ)،

و العمري تفصيلٌ من التقديرِ يوم الميثاقِ،

و تقديرُ يومِ الميثاقِ تفصيلٌ من التقديرِ الأزليِّ الذي خطَّه القلمُ في الإمام المبين،

و الإمام المبين هو من علم الله عز و جل، و الله وَسِعَ كل شيءٍ علمًا ..

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير