القول الأول: أن يوم الجمعة من الأيام الستة، وعليه تكون بداية الخلق في يوم الأحد، ونهايته يوم الجمعة، وفيه خُلق آدم، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في غير موضع من كتبه.
القول الثاني: أن يوم الجمعة زائد على الأيام الستة، فبداية الخلق كانت يوم السبت، ونهايته: يوم الخميس، وقد تمَّ الخلق في ستة أيام، ثم بعد فترة - الله أعلم بمدتها - خلق اللهُ آدمَ عليه السلام، وكان ذلك في يوم الجمعة.
ويشهد لهذا القول الثاني أمران:
1. أن الله تعالى قبل خلق آدم عليه السلام ذكر أنه خلق الأرض، فقال: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) البقرة/30، وهذا يعني أن خلق آدم عليه السلام لا دخل له في الأيام الستة التي خلق الله فيها السموات والأرض وما بينهما.
2. أن آدم عليه السلام لا يدخل في خلق السموات ولا في الأرض، بل هو مخلوق من الأرض، فمن الطبيعي أن يكون خلقه بعد خلق الأرض التي خُلِق منها.
وثمة حديث استدل به أصحاب هذا القول:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي فَقَالَ: (خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ، وَخَلَقَ فِيهَا الْجِبَالَ يَوْمَ الْأَحَدِ، وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ، وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ، وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَخَلَقَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَام بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي آخِرِ الْخَلْقِ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْجُمُعَةِ فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ).
رواه مسلم (2789) وهذا الحديث قد أعلَّه بعض أهل العلم وجعله من كلام كعب الأحبار.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" فَإِنَّ هَذَا طَعْنٌ فِيهِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْ مُسْلِمٍ مِثْلَ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ وَمِثْلَ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ هَذَا مِنْ كَلَامِ كَعْبِ الْأَحْبَارِ وَطَائِفَةٌ اعْتَبَرَتْ صِحَّتَهُ مِثْلَ أَبِي بَكْرٍ ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ وَأَبِي الْفَرَجِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَالْبَيْهَقِي وَغَيْرُهُ وَافَقُوا الَّذِينَ ضَعَّفُوهُ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَثَبَتَ أَنَّ آخِرَ الْخَلْقِ كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ الْخَلْقِ يَوْمَ الْأَحَدِ وَهَكَذَا هُوَ عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَعَلَى ذَلِكَ تَدُلُّ أَسْمَاءُ الْأَيَّامِ وَهَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ الثَّابِتُ فِي أَحَادِيثَ وَآثَارٍ أُخَرَ". انتهى.
"مجموع الفتاوى" (18/ 18).
وما قرره شيخ الإسلام هنا، وفي غير موضع من كتبه، اختاره تلميذاه: الإمام ابن القيم رحمه الله، كما في " المنار المنيف" (85)، والحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره (1/ 215).
وردَّ ذلك الشيخان المعلِّمي اليماني والألباني وغيرهما.
قال العلامة المعلمي - رحمه الله -:
ليس في هذا الحديث أنه خلق في اليوم السابع غير آدم، وليس في القرآن ما يدل على أن خلق آدم كان في الأيام الستة، بل هذا معلوم البطلان.
وفي آيات خلق آدم أوائل البقرة وبعض الآثار ما يؤخذ منه أنه قد كان في الأرض عُمَّار قبل آدم، عاشوا فيها دهراً، فهذا يساعد القول بأن خلق آدم متأخر بمدة عن خلق السموات والأرض.
فتدبر الآيات والحديث على ضوء هذا البيان، يتضح لك إن شاء الله أن دعوى مخالفة هذا الحديث لظاهر القرآن قد اندفعت ولله الحمد.
" الأنوار الكاشفة " (ص 187، 188).
وقال الشيخ الألباني – رحمه الله -:
¥