تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما المفهومان الأولان فصحيحان من جهة أن الكسوف والخسوف له دورة ثابتة، وأنه لا يحدث في أي وقت من الشهر، وإنما في الاستسرار والإبدار، وهما غلط من جهة تصوير أن هذا الاعتقاد سائد عند أهل العلم؛ فإن علماء الشريعة يثبتون انتظام دورة الكسوف والخسوف، وإمكان معرفتهما بالحساب ويردون على من ينفي ذلك، ومع ذلك يثبتون أنها آيات تخويف. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وكسوف الشمس إنما يكون وقت استسرار القمر آخر الشهر، وخسوف القمر إنما يكون ليالي الإبدار: الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، كما أن الهلال قد يكون ليلة الثلاثين أو الحادي والثلاثين هذا الذي أجرى الله به عادته في حركات الشمس والقمر». ([28] ( http://www.vb-khutabaa.com/newthread.php?do=newthread&f=3#_edn28)) وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: «فلا يكون انكسافهما سبباً لموت ميت ولا لحياة حي، وإنما ذلك تخويف من الله لعباده أجرى العادة بحصوله في أوقات معلومة بالحساب كطلوع الهلال وإبداره وسراره». ([29] ( http://www.vb-khutabaa.com/newthread.php?do=newthread&f=3#_edn29)) وقال ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى: «ربما يعتقد بعضهم أن الذي يذكره أهل الحساب ينافي قوله «يخوف الله بهما عباده» وليس بشيء؛ لأن لله أفعالاً على حسب العادة، وأفعالاً خارجة عن ذلك، وقدرته حاكمة على كل سبب، فله أن يقتطع ما يشاء من الأسباب والمسببات بعضها عن بعض، وإذا ثبت ذلك فالعلماء بالله لقوة اعتقادهم في عموم قدرته على خرق العادة، وأنه يفعل ما يشاء إذا وقع شيء غريب؛ حدث عندهم الخوف لقوة ذلك الاعتقاد، وذلك لا يمنع أن يكون هناك أسباب تجري عليها العادة إلى أن يشاء الله خرقها». ([30] ( http://www.vb-khutabaa.com/newthread.php?do=newthread&f=3#_edn30))

فهاهم أولاء علماء الأمة يقررون ذلك قبل حضارتنا المعاصرة بقرون كثيرة، ويذكرون أن الكسوف والخسوف لا يكون في غير وقته المعتاد المعلوم بالحساب، فصنيع الدكتور المسند بأن هذه المفاهيم الخاطئة سائدة غلط، وكأنه يصور أهل العلم في وقتنا يقولون به، وعامتهم لا يقول بذلك، وهذه فتاواهم ودروسهم وكتبهم منشورة، يقرون فيها بأن الكسوف والخسوف لا يكون إلا وقت الاستسرار والإبدار، كما يقرون بمعرفة أهل الحساب له، وأرجو أن لا يكون الدكتور المسند قد قصد بإيراده هذا قبل ذكره ارتباط الكسوف بالذنوب تجهيل أهل العلم بأمر يعلمه الناس وهو معرفة وقت الكسوف بالحساب، ثم جرهم إلى أمر لا يعلمونه وهو نفي علاقته بالذنوب، فيكون هذا الصنيع من قبيل التدليس والخداع.

الجانب الخامس: أن المفهوم الذي ذكره الدكتور المسند ضمن المفاهيم الخاطئة السائدة هو: الاعتقاد بأن هناك علاقة ارتباطية بين حوادث الكسوف والخسوف من جهة والمعاصي والفتن من جهة أخرى! ثم أكد ذلك بقوله: (بعض) الفضلاء من الفقهاء والعلماء -غفر الله لهم جميعاًـ يربطون بين حوادث الكسوف والخسوف وجوداً وعدماً كثرة وقلة بالمعاصي والفتن!! ثم ذكر أن الربط بين الكسوف والذنوب يترتب عليه مفاهيم خاطئة، أسوقها وأجيب عن كل واحده عقبها، وهي:

أولاً: أن كثرة المعاصي تستدعي كثرة حوادث الكسوف والخسوف، وقلة المعاصي تستوجب قلتها!

وجواب ذلك: أن هذا اللازم فاسد؛ لأنه مبني على أن الكسوف والخسوف هو آية التخويف الوحيدة، ولم يقل به أحد، وهو خلاف قول الله تعالى [وَمَا نُرْسِلُ بِالآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا] {الإسراء:59} وقوله تعالى [وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ] {المدَّثر:31} والجنود قد يعذِّبون وقد يخوِّفون، وقد أرسل الله تعالى جملة من الآيات لفرعون وجنده لتخويفهم، فلما لم يخافوا أغرقهم كما قال تعالى [فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالجَرَادَ وَالقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آَيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ] {الأعراف:133} ثم قال سبحانه بعد ذلك بآيات [فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي اليَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ] {الأعراف:136} فقد تكثر الذنوب ويكون التخويف بالكسوف وغيره، وقد تقل الذنوب ولا يكون التخويف إلا بالكسوف، فيكون أكثر مما قبله، ولله سبحانه الحكمة في آياته.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير