قال الدكتور: ثانياً: أن حوادث الكسوف والخسوف في هذا العصر أكثر من العصور التي قبله! ثم أكد الدكتور هذا اللازم بقوله: طالع الجدول المرفق والذي يصدق ما ذكره علماء الشرع والفلك أن للكسوف والخسوف دورة معروفة لم تكثر في هذا العصر عما كانت عليه من قبل مع أن المعاصي والفتن في أول القرن الماضي أقل منها في آخر القرن.
وجواب ذلك من وجهين:
الأول: فساد هذا اللازم؛ لأنه مبني على أن الكسوف هو آية التخويف الوحيدة، وقد أجبت سابقاً عن ذلك.
الثاني: أن زعم الدكتور كثرة الذنوب والفتن في هذا القرن بالنسبة للقرن الماضي مع أن الكسوف في القرن الماضي كان أكثر ... أقول: هذه مجازفة بشعة لا تقبل من مثله؛ لأنه لا يمكن لأحد أن يحصي الذنوب والفتن في الأرض إلا الله تعالى، فأنى له أن يحكم بذلك، ويُلزم غيره به؟! مع العلم أنه في القرن الماضي وقعت الحربين الكونيتين الأولى (1914م) والثانية (1937م) وقتل فيهما ملايين الناس بلا ذنب اقترفوه، والقتل من أعظم الذنوب، مع ما ترتب على ذلك من التشريد والإفقار، وهتك الأعراض، وقطع السبيل، وخراب العمران في كثير من الدول آنذاك، وكان في القرن الماضي أيضاً الاستعمار البغيض على كثير من بلاد المسلمين، ونشأت فيه دولة المذهب الشيوعي الإلحادي بالثورة البلشفية (1917م) وسقطت الخلافة الإسلامية العثمانية (1924م) واحتل اليهود بيت المقدس (1948م)، وفيه نشأت القومية العربية (1917م) وأسست الأحزاب الاشتراكية والبعثية في بلاد المسلمين (1946م) وظهرت الوجودية الإلحادية (1905) ورسخت كثير من النظريات الإلحادية التي ثبت بطلانها بعد ذلك.
قال الدكتور: ثالثاً: أننا لو افترضنا جدلاً وجود عباد أتقياء أنقياء أصفياء لا يعصون الله ما أمرهم فإن حوادث الكسوف والخسوف تعدم بناءً على المعادلة السابقة!
والجواب عن ذلك: أن هذا افتراض غير صحيح لأنه غير واقع؛ إذ إن الخير والشر، والطاعة والمعصية، والإيمان والكفر باقيان إلى آخر الزمان، وسيأتي مزيد نقض لهذا الإيراد في ذكره للازم الخامس والجواب عنه.
قال الدكتور: رابعاً: أن وقوع الكسوف العظيم يوم وفاة ابن الرسول صلى الله عليه وسلم الموافق 29 شوال من عام 10هـ كان بسبب كثرة الذنوب في المدينة.
قد سبق الجواب عن هذا باستفاضة في مناقشة قول الشيخ القرضاوي، فيراجع هناك.
قال الدكتور: خامساً: ظاهرة الكسوف والخسوف لا تقع في الكواكب والأجرام الأخرى لعدم وجود بشر يذنبون.
والجواب عن ذلك: إنْ صح وقوع الكسوف والخسوف في الكواكب الأخرى فإن هذا الإيراد مبني على أن الغرض الوحيد من ظاهرة الخسوف والكسوف في الكون كله هو التخويف، ولم يقل بهذا الحصر أحد من أهل العلم، ولله تعالى حكم عدة في آياته ومخلوقاته، يعرف الناس بعضها بالنص أو بالاستنباط أو بالتجربة، ويخفى عليهم غيرها، وقد تكون ظاهرة الكسوف والخسوف في الأرض للتخويف فقط، وفي غيرها من الكواكب لحكم أخرى لا نعلمها، وقد تكون في الأرض للتخويف ولغيره من الحكم التي لا يعلمها إلا الله تعالى. بيد أن التخويف منصوص عليه في القرآن والسنة، والدكتور المسند لا ينكره لكن ينكر تعلق هذا التخويف بالذنوب وسيأتي مناقشته في ذلك لاحقاً.
قال الدكتور: سادساً: إبطال ما يعرف بـ (دورة ساروس) ([31] ( http://www.vb-khutabaa.com/newthread.php?do=newthread&f=3#_edn31)) والتي ثبت صحتها.
والجواب عن ذلك: أن هذا اللازم غير صحيح؛ لأن جهة الخلق والشرع واحدة، قال الله تعالى [أَلَا لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ] {الأعراف:54} فلو كان مصدر الخلق غير مصدر الشرع لصح هذا اللازم، وكثير ممن أشكل عليهم أمر الكسوف، أشكل عليهم بسبب أنه يُعرف بالحساب، وله دورة ثابتة لا تتخلف كالليل والنهار، وفصول العام، مع إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أنه آية يخوف الله تعالى بها عباده، فمنهم من أبطل التخويف، ومنهم من أقره لكن جعل التخويف بلا سبب، ولو تأمل هؤلاء علم الله تعالى المحيط بكل شيء، وقدرته سبحانه على كل شيء؛ لعلموا أنه سبحانه يجري الكسوف والخسوف لتخويف العباد، ولا يخرج ذلك عن دورته الاعتيادية. كما أنه سبحانه وتعالى يجعل الآية الواحدة من آياته الكونية في زمن واحد، ومكان واحد: رحمة لقوم، وابتلاءً لقوم، وعذاباً لقوم، وتخويفاً لقوم، ولا يكون في
¥