تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذا من خوف النبي صلى الله عليه وسلم من الذنوب، وعدم أمنه من مكر الله تعالى؛ فإن الأنبياء عليهم السلام أكثر الناس رجاء لله تعالى، وخوفاً منه، فبان بخشيته صلى الله عليه وسلم أن تكون الساعة وهي لا تقوم إلا على شرار الناس ارتباط الكسوف بالذنوب.

الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم في خطبة الكسوف: «يا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، والله ما من أَحَدٍ أَغْيَرُ من الله أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أو تَزْنِيَ أَمَتُهُ يا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ والله لو تَعْلَمُونَ ما أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلبَكَيْتُمْ كَثِيرًا». ([35] ( http://www.vb-khutabaa.com/newthread.php?do=newthread&f=3#_edn35))

فذكر صلى الله عليه وسلم غيرة الله تعالى مقرونة بذكر الزنا وهو من كبائر الذنوب؛ تحذيراً منه وتخويفاً، ثم ذكر ما يعلم صلى الله عليه وسلم وأنهم لو علموه لضحكوا قليلاً، ولبكوا كثيراً، وما يعلمه صلى الله عليه وسلم هو دقة الحساب، وشدة العذاب، والموجب لذلك هو المعاصي والذنوب، فكيف يذكر صلى الله عليه وسلم ذلك في خطبة الكسوف ثم يدعي من يدعي أنه لا علاقة بين الكسوف والذنوب؟!

الرابع: حديث عَائِشَة رضي الله عنها قالت: «أَخَذَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فأراني الْقَمَرَ حين طلع فقال: تعوذي بِالله من شَرِّ هذا الْغَاسِقِ إذا وَقَبَ». ([36] ( http://www.vb-khutabaa.com/newthread.php?do=newthread&f=3#_edn36)) فذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن في القمر شراً، كما أن فيه خيراً، وأمر بالاستعاذة من شره، وهذا يدل على أنه سبب للتخويف والعذاب بأمر الله تعالى.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: «والاستعاذة إنما تكون مما يحدث عنه شر، وأمر صلى الله عليه وسلم عند انعقاد أسباب الشر بما يدفع موجبها بمشيئتة الله تعالى وقدرته من الصلاة والدعاء والذكر والاستغفار والتوبة والإحسان بالصدقة والعتاقة؛ فإن هذه الأعمال الصالحة تعارض الشر الذي انعقد سببه كما في الحديث». ([37] ( http://www.vb-khutabaa.com/newthread.php?do=newthread&f=3#_edn37))

الخامس: أن من لازم إثبات التخويف بالكسوف مع عدم ربطه بالذنوب كما قرره الدكتور في كلامه السابق: أن الله تعالى يخوف عباده بلا سبب يوجب تخويفهم، وهذا باطل؛ لأن الله تعالى منزه عن الظلم وعن العبث، كيف!! وهو الرحمن الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء، أتُراه يخوف عباده بلا موجب لتخويفهم؟!

هذا وقد انطوى كلام الدكتور المسند على كثير من التناقضات العجيبة أعرض ذكرها؛ لئلا يطول المقال؛ ولأن المقصود مما كتبت هو بيان خطئه في نفي العلاقة بين الذنوب والكسوف، وليس إثبات تناقضه فيما قال.

وأختم مقالتي هذه بكلام متين لابن القيم رحمه الله تعالى هو: «أن الله سبحانه يحدث عند الكسوفين من أقضيته وأقداره ما يكون بلاء لقوم ومصيبة لهم، ويجعل الكسوف سبباً لذلك؛ ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم عند الكسوف بالفزع إلى ذكر الله والصلاة والعتاقة والصدقة والصيام؛ لأن هذه الأشياء تدفع موجب الكسف الذي جعله الله سبباً لما جعله، فلولا انعقاد سبب التخويف لما أمر بدفع موجبه بهذه العبادات، ولله تعالى في أيام دهره أوقات يحدث فيها ما يشاء من البلاء والنعماء، ويقضي من الأسباب بما يدفع موجب تلك الأسباب لمن قام به أو يقلله أو يخففه. فمن فزع إلى تلك الأسباب أو بعضها اندفع عنه الشر الذي جعل الله الكسوف سبباً له أو بعضه؛ ولهذا قلّ ما يسلم أطراف الأرض حيث يخفي الإيمان وما جاءت به الرسل فيها من شر عظيم يحصل بسبب الكسوف، وتسلم منه الأماكن التي يظهر فيها نور النبوة والقيام بما جاءت به الرسل أو يقل فيها جداً. ولما كسفت الشمس على عهد النبي قام فزعاً مسرعاً يجر رداءه ونادى في الناس: الصلاة جامعة، وخطبهم بتلك الخطبة البليغة، وأخبر أنه لم ير كيومه ذلك في الخير والشر، وأمرهم عند حصول مثل تلك الحالة بالعتاقة والصدقة والصلاة والتوبة، فصلوات الله وسلامه على أعلم الخلق بالله وبأمره وشأنه، وتعريفه أمور مخلوقاته وتدبيره، وأنصحهم للأمة، ومن دعاهم إلى ما فيه سعادتهم في معاشهم ومعادهم، ونهاهم عما فيه هلاكهم في معاشهم ومعادهم». ([38] ( http://www.vb-khutabaa.com/newthread.php?do=newthread&f=3#_edn38))

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير