تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ذلك تناقض ولا تعارض، وأعجب من ذلك: أنه سبحانه يقلب آية الرحمة كالمطر فيجعلها عذاباً كما عذب به عاداً، وهو الحكيم العليم القدير.

أليس الله تعالى قد علم أعمال العباد قبل أن يخلقهم، وعلم بحوادث الكسوف والخسوف قبل خلق الشمس والقمر، وقدّر ذلك كله وكتبه عنده؟! فما المانع عقلاً أن يجعل سبحانه الكسوف في دورته المعتادة عند كثرة ذنوب العباد؟! على أننا ذكرنا من قبل أن الكسوف ليس هو آية التخويف الوحيدة.

فإن قيل: لا يمنع العقل ذلك، لكن نحتاج إلى دليل شرعي يدل عليه.

فالجواب: أنه قد دل الدليل على أن من حِكم الكسوف والخسوف التخويف، فلا يُعدل عن ذلك لمجرد توهم تعارضه مع الدورة الكونية لحركة الأرض والشمس والقمر.

ثم قال الدكتور المسند: هذه جملة من اللوازم (المنكرة والعجيبة) تلزم من يقول بالارتباط بين الذنوب وحوادث الكسوف والخسوف. اهـ

قلت: تم الجواب عنها بحمد الله تعالى، وتبين فساد هذه اللوازم، والله تعالى أعلم.

الجانب السادس: أن الدكتور المسند يثبت التخويف بالكسوف والخسوف، ولكنه ينفي ارتباط ذلك بالذنوب؛ فيقول حفظه الله تعالى: ونبينا صلى الله عليه وسلم نفى أن يكون موت ابنه إبراهيم سبب الكسوف آنذاك، وفي الوقت نفسه لم يربط الكسوف بذنوب ومعاصي الناس، بقدر أن الظاهرة آية عظيمة مخيفة وتذكير من الخالق لخلقه أن يفزعوا إليه بالصلاة والصدقة والاستغفار والتكبير وعمل الصالحات وترك المنكرات.

ثم قال بعد ذلك: وعليه أقول: إن القول بأن حوادث الكسوف والخسوف كثرت في هذا العصر بسبب المعاصي والفتن قول يحتاج إلى دليل شرعي أو حتى حسي، إذ إن الواقع المشاهد والمرصود لحوادث الكسوف والخسوف دلّ على خلاف ما ذكر. وكما أن عدد هذه الحوادث غير مرتبط بموت أحد أو حياته كما دلت على ذلك النصوص، أيضاً كثرة الكسوف وقلته ليست مرتبطة بالمعاصي والذنوب؛ كما هو الحال في بعض الحوادث الأرضية التي يمكن إيجاد ربط بينها وبين ذنوب البشر على ما دل عليه الشرع والواقع، والله أعلم.

وذكر الدكتور في استنتاجاته: أن هذه الحوادث الكونية قدرها الخالق المالك المدبر بهذا التوازن وبهذا القدر وبهذا النظام لعلة بينها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «يخوف الله بهما عباده» سواء كثرت الذنوب أم قلّت، على الرغم من كون وقت وقوع الكسوف أو الخسوف معلوماً مسبقاً، والتخويف يكون لعباده الصالحين ولعباده العاصين ولعباده الكافرين أيضاً.

وقال أيضاً: الذين يثبتون العلاقة بين المعاصي والكسوف والخسوف هم المطالبون بدليل صحيح وصريح، أما من ينفي فهو على الأصل وهو العدم حتى يقوم الدليل، ومع ذلك أقول: الدليل الشرعي هو عدم وجود الدليل، والله أعلم؟

والجواب عن ذلك من أوجه خمسة:

الأول: حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للكسوفوجاء فيه: «ثُمَّ نَفَخَ في آخِرِ سُجُودِهِ فقال: أُفْ أُفْ ثُمَّ قال: رَبِّ أَلَمْ تَعِدْنِي أَنْ لَا تُعَذِّبَهُمْ وأنا فِيهِمْ أَلَمْ تَعِدْنِي أَنْ لَا تُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ» وفي رواية: «فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أَلَمْ تَعِدْنِي أَنْ لا تُعَذِّبَهُمْ وَأَنَا فِيهِمْ، رَبِّ أَلَمْ تَعِدْنِي أَنْ لا تُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرِونَكَ». ([32] ( http://www.vb-khutabaa.com/newthread.php?do=newthread&f=3#_edn32))

فربط النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بين الكسوف وبين العذاب، ومعلوم أن سبب العذاب هو الذنوب، فهو نص صريح في ارتباط الكسوف بالذنوب.

الثاني: حديث أبي مُوسَى رضي الله عنه قال: «خَسَفَتْ الشَّمْسُ في زَمَنِ النبي صلى الله عليه وسلم فَقَامَ فَزِعًا يَخْشَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ» ([33] ( http://www.vb-khutabaa.com/newthread.php?do=newthread&f=3#_edn33)) ويقوي ذلك ذكره صلى الله عليه وسلم للجنة والنار في خطبة الكسوف، وهما مظهران من مظاهر يوم القيامة.

ومعلوم أن الساعة لا تقوم إلا حيث تكثر الذنوب على أيدي شرار الخلق؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: «من شِرَارِ الناس من تُدْرِكْهُمْ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءٌ» وفي رواية: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ إلا على شِرَارِ الناس» ([34] ( http://www.vb-khutabaa.com/newthread.php?do=newthread&f=3#_edn34))

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير