تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأم أسيد ولدت أسيدا، وهو معدود في الصحابة، فمن المقطوع به أنه ولد قبل الحجاب، وإلا كان عمره عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنين.

وعائشة إنما دخلت على أبيها وبلالاً في أول مقدمهم إلى المدينة، حيث كان بها حمى يثرب، حتى دعا النبي صلى الله عليه وسلم، فنقل حماها إلى الجحفة.

ووضوء الرجال والنساء جميعا قطعا كان قبل الحجاب، لو كان معنى "جميعا": في آن واحد، من إناء واحد. لأنه بالاتفاق لا يجوز للمرأة تبدي للأجنبي قدمها، وساعدها حتى المرفق، ورأسها وشعرها وأذنها، وكل ذلك من مواضع الوضوء، فوضوءها عند الرجال يعني كشف كل ذلك. وكلام الشارع لا يتناقض، حيث أمرها بستر كل ذلك أمرا صريحا.

الثاني: أنها كانت مع محارم.

كما قد ذهب بعض العلماء في حق أم حرام وأم سليم أنهما كانتا خالتي النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاع، حيث رضعن مع أمه آمنة، والتي كان أخوالها من الأنصار، وكذا في قصة المرأة التي كان تفلي شعر أبي موسى الأشعري في حجة الوداع، يحتمل أنها كانت من محارمه.

الثالث: أنها حالات استثنائية:

- فمنها ما كان ضرورة وحاجة، كخروج النساء للجهاد؛ لقلة الرجال، فلما كثروا قلَّ خروجهن، وحضورهن مجلس النبي صلى الله عليه وسلم للسؤال والشكوى ونحوه، وخروجهن للسوق والصلاة والطواف والحج، كل ذلك يقع فيه اختلاط، لكن لا بد منه، فتسامح فيه الشارع، ولم يؤاخذ به.

- ومنها أن المختلطة كبيرة، بالغة سن اليأس، في مقام الأم والجدة، كما قد يقال كذلك في قصة المرأة فَلَتْ شعر أبي موسى الأشعري، وهو وجه ثان في التخريج؛ فإذا لم يثبت محرميتها له، فيحتمل أنها كبيرة لا تشتهى، وحكمها بالقطع ليس كحكم الشابة، فإن لها أن تضع خمارها، فتكشف عن وجهها غير متبرجة بزينة، كما في الآية، فإن احتيج إليها في تطبيب ونحوه فلا بأس. وكذلك حديث سهل بن سعد في إطعام المرأة لهم يوم الجمعة، فإنها كانت كبيرة، وهم صبية، وفيه تخريج آخر: أنه لا يلزم من إطعامها جلوسها معهم، بل مجرد تقريب الطعام، وذلك لا مؤاخذة فيه.

- ومنها ما كان خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم، كما في إرداف أسماء، وهكذا كان جواب بعض العلماء الذين لم يثبت عندهم قرابة أم سليم وأم حرام للنبي صلى الله عليه وسلم، فجنحوا إلى الخصوصية، وهو وارد، حيث عصمته من الإثم في هذا يقيني، وليس لغيره مثل هذه العصمة، ثم هو أب للمؤمنين، يزوجهن بغير ولي، كما أن أزواجه أمهاتهم. يدل عليه: أن أحدا من الصحابة لم يقتد بالنبي صلى الله عليه وسلم في الدخول على الأجنبيات.

وهكذا نكون قد أجبنا، ووضعنا ميزانا لحل كل ما يورده المبيحون من أدلة، لا يزالون يختلقونها اختلاقا بأدنى صلة، وبعضها لا صلة لها بمحل النزاع أصلا.

ومع كل ذلك، فهاك دليلا مما استدلوا به، نعرضه ونناقشه تفصيلا وفق الميزان، كأنموذج يقاس عليه غيره، وبه يتبين اختلال منهج المبيحين - ولا يتصور منهم غير ذلك - وأصالة منهج المحرمين.

روى البخاري في صحيحه في الاستئذان، باب: من زار قوما فقال عندهم. حديثين عن أنس:

- (أن أم سليم كانت تبسط للنبي صلى الله عليه وسلم نطعا، فيقيل عندها على ذلك النطع. قال: فإذا نام النبي صلى الله عليه وسلم أخذت من عرقه وشعره فجمعته في قارورة، ثم جمعته في سُكّ وهو نائم. قال: فلما حضر أنس بن مالك الوفاة، أوصى أن يجعل في حنوطه من ذلك السُكّ، فجعل في حنوطه).

- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب قباء، يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه، وكانت تحت عبادة بن الصامت، فدخل يوما فأطمعته، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استيقظ يضحك، قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟. فقال: ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج هذا البحر، ملوكا على الأسرة، أو قال: مثل الملوك على الأسرة – يشك إسحاق – قلت: ادع الله أن يجعلني منهم. فدعا). الحديث.

ظاهر الأثرين معارض، يخالف كافة نصوص تحريم الاختلاط، وأكثر من ذلك؛ فإنه يخالف صريح نهي النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم والدخول على النساء). رواه البخاري/ النكاح/ لا يخلون رجل.

فكيف يكون الجواب عنهما، فإنه من المحال الأخذ بهما وإباحة الدخول والاختلاط؛ لأنه هدر لنصوص كالجبال سبقت في المنع والتحريم؟.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير