تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال الإمامُ الزرْكشي _ رحمه الله _: و الحاصلُ أنه لابدَّ أن يكون محيطاً بأدلة الشرع في غالب الأمر، متمكناً من اقتباس الأحكام منها، عارفاً بحقائقها و رُتَبِها، عالماً بتقديم ما يتقدم منها و تأخير ما يتأخر، و قد عبَّرَ الشافعي _ رحمه الله _ عن الشروط كلها بعبارةٍ وجيزةٍ جامعةٍ فقال: من عرف كتاب الله نصاً و استنباطاً استحقَّ الإمامةَ في الدين. أ. هـ. (2)

فهذهِ شُرُوْطٌ قرَّرَها العُلماءُ في مَنْ لَه أهلِيَّةُ الحُكْمِ على نصوصِ الشَّرْعِ، فمتى كان تواجُدُها في العالمِ كان مُؤَهلاً لتلك الرُّتْبَة.

و متَى تَخلَّفَتْ كان له الأخذ بِقَوْلِ مَنْ نالَها و أدْرَكَها، و اعتَبَرَ العُلماءُ قَوْلَهُ وَ رَأْيَه.

إيقاظٌ: هذا كله في المجتهد المطلق، أما مَنْ يَجْتهدُ في بعض المسائل فإنما يحتاجُ إلى قوةٍ تامةٍ في النوع الذي هو مجتهدٌ فيه (3).

فَمِنَ الخيانة للعلم في مجال الطرح أن يتصدر للاستنباط من ليس أهلاً له، فيُفتي، و يُرجِّحُ، و يختارُ، و هو ليس بشيءٍ يُذكر في العلم.

و لم يذكر الفقهاء هذه الشروط عبثاً و لعباً، و إنما ذكروها صوناً للشريعة من عبَثِ عابثٍ، و لعب لاعبٍ، و من لم يَفْقَه مرادهم أساءَ بهم الظن، و حمَّلَ كلامهم مفاسدَ الظنون.


(1) راجع: " التحبير شرح التحرير " (8/ 3865)، " البحر المحيط " (6/ 199).
(2) " البحر المحيط " (6/ 205).
(3) " البحر المحيط " (6/ 205). 5 - …مَعْرِفَةُ النَّاسخِ و المَنسوخ. 6 - …مَعْرِفَةُ أصولِ الجَرْحِ و التعديل، و ذلك ليكُوْنَ كلامُهُ في الرجالِ مبنيَّاً على أصولٍ أصَّلَها القوم. 7 - …مَعْرِفَةُ أصولِ الفِقْهِ، و هو واجبُ التَّعرُّفِ في حَقِّ المُجْتَهِد _ كما قاله شيخُ الإسلام _ (1).
مسألةٌ: هل المجتهد المستقل موجودٌ الآن؟
باب الاجتهاد لم يُغْلَق و القول بإغلاقه صعبٌ جداً، و لكن المتأهل لرتبة الاجتهاد المستقل من الصعب وجودهم.
قال ابن الصلاح _ رحمه الله _: و منذُ دهرٍ طويلٍ طُويَ بساط المفتي المستقل المطلق، و المجتهد المستقل.أ. هـ (1)
فائدةٌ: قال ابن السمعاني: المفتي من استكملَ فيه ثلاث شرائط: الاجتهاد، و العدالةُ، و الكف عن الترخيص، و التساهل.
و للمتساهل حالتان:
إحداهما: أن يتساهل في طلب الأدلة و طرق الأحكام، و يأخذ بمباديء النظر و أوائل الفكر، فهذا مقصر في حق الاجتهاد، و لا يحل له أن يفتي، و لا يجوز أن يُسْتفتى.
و الثانية: أن يتساهل في طلب الرخص و تأوُّلِ الشُبَه، فهذا متجوز في دينه، و هو آثَمُ من الأول. أ. هـ. (2)
تنبيهٌ: (الفقيه) و (المجتهد) و (المفتي) كلها بمعنى، فلا تفارق بينها، قال الزركشي _ رحمه الله _: (المفتي) هو: الفقيه. [السابق].
و انظر إلى حالِ أكثر من تصدَّرَ للاستنباط، و الإفتاءِ، و الاختيار، و الترجيح هل هو ممن تأهل للعلم على وَفْقِ ما قرَّرَه الفقهاءُ الأعلام؟.
إنما تَرَجُّلٌ في ميدان العلوم من غير كفاءةٍ، و تبصَّرْ كيف أصبحت الشواذُ العلمية تنبتُ لنا في كل آنٍ و حين.
و لو كان الأمرُ حكايةً لفتاوي أئمةٍ معتبرين على هذه الكفاءة الفقهية لكان الوقع هيناً، لكن الأمر أن زعمَ كلٌّ أن الأمر لا يعدوْ إلا أن يكون: هم رجال و نحن رجال، فصارع الأئمة، و ناقض الفتاوي، و صادم الأصول و القواعد، و ما يضر الجبل نطح الوعل.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير