[كيف يكون القرآن معجزة للأعاجم وهو عربي وهم لا يعرفون العربية؟]
ـ[اسلام سلامة علي جابر]ــــــــ[01 - 05 - 10, 04:08 م]ـ
السؤال: جاء القرآن معجزة من قبل الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، كما جاء في آيات القرآن، وفي حديث البخاري رقم (7274)،
لذلك أسأل: كيف كان القرآن معجزة للأعاجم الذين لا يعرفون العربية، وقد كانوا يشكلون غالبية سكان العالم وقتها؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
الحديث المشار إليه في السؤال:
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ نبي إِلاَّ قَدْ أُعْطِىَ مِنَ الآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ وَإِنَّمَا كَانَ الذي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَى اللَّهُ إِلَىَّ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ).
رواه البخاري (1044) ومسلم (152).
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – وقد ذكر احتمالات في معنى الحديث -:
وقيل: المراد أن معجزات الأنبياء انقرضت بانقراض أعصارهم، فلم يشاهدها إلا من حضرها، ومعجزه القرآن مستمرة إلى يوم القيامة، وخرقه للعادة في أسلوبه وبلاغته وأخباره بالمغيبات، فلا يمر عصر من الأعصار إلا ويظهر فيه شيء مما أخبر به أنه سيكون يدل على صحة دعواه.
وهذا أقوى المحتملات، وتكميله في الذي بعده.
وقيل: المعنى أن المعجزات الماضية كانت حسية تشاهد بالأبصار، كناقة صالح وعصا موسى، ومعجزة القرآن تشاهد بالبصيرة، فيكون من يتبعه لأجلها أكثر؛ لأن الذي يشاهد بعين الرأس ينقرض بانقراض مشاهده، والذي يشاهد بعين العقل باق يشاهده كل من جاء بعد الأول مستمراً.
" فتح الباري " (9/ 70).
ثانياً:
أما الجواب عن سؤال " كيف كان القرآن معجزة للأعاجم الأميين الذي يشكلون غالبية سكان العالم وقتها؟ ": فليُعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم بُعث في العرب، وقد كانوا يتميزون بالفصاحة والبلاغة، فجعل الله تعالى آية النبي صلى الله عليه وسلم من جنس ما يتميز به قومه، ليقع الإعجاز والتحدي موقعه، كما حصل في آية موسى عليه السلام " العصا " ليقبل ما جاء به السحرة من خداع، وكما في آية عيسى عليه السلام " إبراء الأكمه والأبرص " حيث كان الطب منتشراً في زمانهم.
وأما بخصوص الأعاجم – قديماً وحديثاً – وكيف كان القرآن معجزاً في حقهم، وهل هم داخلون في التحدي به: فبيانه من وجوه:
1. ليس كل العرب على علم باللغة العربية وفصاحتها وبلاغتها، كما لم يكن كل العجم على جهل باللغة العربية، فيُعلم بذلك أن الإعجاز والتحدي هو للعالم منهم باللغة العربية، سواء كان يعلمها من الأصل كالعرب، أو تعلمها فيما بعد كالعجم، وبه يتبين أن حال العجم هو كحال العرب الجاهلين بلغتهم.
قال أبو عبد الله القرطبي – رحمه الله -:
فإن قيل:
إحياء الموتى وقلب العصى وما ينزل منزلتها جلي لا يشك فيه من شاهده، عام بالإضافة إلى كل العقلاء لا يبقى معه ريب لأحدهم بل يحصل لهم العلم القطعي بذلك، وليس كذلك ما ادعاه نبيكم من إعجاز القرآن؛ إذ لا يحصل العلم بإعجازه لكل أحد، بل إنما يحصل العلم بذلك عندكم، وعلى زعمكم: للفصحاء من العرب، وأما من ليس فصيحاً، أو أعجميّاً لا يفقه لسان العرب: فلا يحصل له العلم بإعجازه؛ فإن الأعجمي لو كلف أن يتكلم بكلمة واحدة من لسان العرب لم يقدر على ذلك، فعدم قدرته على ذلك لا يدل على صدق المتحدَّى به، وكذلك من ليس فصيحاً من العرب: لو كلف أن يأتي بكلام فصيح لم يقدر عليه، فلا يكون ذلك معجزاً في حقه.
الجواب:
أن نقول: سنبين إن شاء الله وجوه إعجازه، وأنها متعددة، وأن منها ما يدركه الجفلا ويشترك في معرفة إعجازه أهل الحضارة والفلا، فيكون هذا النوع كقلب العصى وإحياء الموتى، ولو سلمنا جدلاً أنه معجز من حيث بلاغته وأسلوبه المخالف لأساليب كلامهم فقط لقلنا: إن العلم بإعجازه وإحياء الموتى وقلب العصى لا يحصل لكل العقلاء على حد سواء، ولا في زمانٍ واحدٍ، بل يحصل ذلك لمن علم وجه إعجاز ذلك الشيء المعجز، حين يعرف أنه مما ليس يدرك بحيلة بشرية، ولا يتوصل إلى ذلك بالإطلاع على خاصية.
¥