12 - مقابلة الأدلة واختبارها بعرضها على القواعد المسلم بها لاستنباط الحكم. وهذا نمط آخر من خصائص منهجه الفقهي يدل على قدرة فائقة في التصرف في النصوص وبراعة في التعامل معها للوصول إلى الحكم، وتدل على تمكنه من علم أصول الفقه وعلوم الحديث. ومثال ذلك مسألة توقيت المسح على الخفين؛ فقد قال: "وأما التوقيت فإن الفقهاء أيضا قد اختلفوا فيه، فرأى مالك أن ذلك غير مؤقت، وأن لاَبِسَ الخفين يمسح عليهما ما لم ينزعهما أو تصيبه جنابة.
وذهب أبو حنيفة والشافعي إلى أن ذلك مؤقت (26).
وأما أصل القاعدة العامة فهو عدم التوقيت؛ لأن طول الوقت لا ينقض الوضوء، إنما ينقضه الحدث، وهو تعليل منطقي يجري مجرى أحكام الشرع في الوضوء والطهارة (27).
13 - العمل بقاعدة "سد الذرائع" فيما هو وسيلة للمحظور. كما فعل في مسألة بيع الطعام قبل قبضه لحديث نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يقبضه" (28).
14 - ولقد عد ابن رشد هذا النوع من بيع الطعام من أصول الربا، وإن كان بحق أنه ليس من أصول الربا، وإنما من الذرائع إلى الربا، وقال: "ومن طريق المعنى أن بيع ما لم يقبض يتطرق به إلى الربا" (29).
كيف أَصَّلَ ابن رشد لتكامل العقل والإيمان؟
مما سبق تبدو أصالة منهجه في الفقه الأكبر (علم الكلام)، وسعيه الجاد لإيجاد منهج جديد لهذا العلم مؤسس على النظر العقلي السليم، الذي يستمد روحه من الوحي وإبادة للمنهج المبني على الوهم والخرافة. وكذلك أصالة منهجه في فقه الفروع، ودرايته الواسعة ومهارته النادرة في التعامل مع النصوص والتوفيق في تأويلها لاستنباط الأحكام.
كما يبدو تشريفه وتمجيده للعقل واضحا سواء في مناظراته أو ردوده، وسواء تعلق الأمر بالمسائل المنطقية. أو مسائل الإيمان. واتجاهه هذا صادر عن اقتناع كامل صاغه كنظرية بسطها في كتابه "فصل المقال وتقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال". وأساس هذه النظرية: أن الشرع غايته الوصول إلى الحق وتبيانه، والعقل ودوره معرفة هذا الحق، والحق واحد لا يمكن أن يتعدد، وبذلك تكون غاية الشرع والعقل معا غاية واحدة: هي معرفة الحق، ولا يمكن أن يحدث تعارض بينهما؛ لأن مقصدهما واحد، وقد قال: "الحكمة صاحبة الشريعة والأخت الرضيعة، وهما المصطحبتان بالطبع، المتحابتان بالجوهر والغريزة" (30).
ولما كان العقل هو السمت المستقيم لمعرفة البراهين اليقينية، كان هو سبيل الخاصة في معرفة الحق، وذلك أمر عسير على العامة.
والوحي ينشد عين الحقيقة التي تنشدها الحكمة، وينشدها على مستوى ما تفهم العامة، وهو مستوى الظاهر فقط، وليست مطالبة بالنظر والتأويل، وإنما هي مطالبة بالطاعة لظاهر الشرع فقط.
ويرى أن الشرع ظاهرا وباطنا يرتبط بالعقل لأنه القادر على الغوص والتعمق والتأويل فيما يوافق البراهين اليقينية التي ترفض الوهم. ولا مفر من ذلك قصد التوفيق بين العقل والدين. وبهذا يبدوان متكاملين ناطقين بحقيقة واحدة.
ـ[أبو عبد الله الجبر]ــــــــ[15 - 07 - 10, 02:30 ص]ـ
السلام عليكم
اخي الحبيب يطلق الامام على من كان متبوعا وكان ممن تؤخذ عنه السنة قولا وعملا مثل الامام مالك وقد انكر الشيخ بن عثيمين على من نعت النووي وبن قدامة بالامام فكيف بإبن رشد؟؟
ـ[ابونصرالمازري]ــــــــ[15 - 07 - 10, 02:38 ص]ـ
كل يخطئ ويصيب ولعل الشيخ ابن عثيمين لم يصب في هذه المقولة،
و رحم الله ابن رشد وابن عثيمين وكل العلماء
وفقك الله