3 - يورد الخلاف بين المذاهب والفقهاء إذا ورد خلاف، ثم يعرض نظر كل واحد مع ذكر دليله.
4 - قد يدلي برأيه في المسألة بعد عرض أوجه الأدلة المختلفة من آراء وأنظار أخرى حسب الدليل الشرعي، ويسلك هو رأيا وسطا مستندا إلى المنحى العقلي في ذلك. مثل حكم النية في الوضوء؛ فقد ذهب مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور وداود إلى أنها شرط صحة؛ وذهب أبو حنيفة وسفيان الثوري إلى أنها ليست شرطا.
وسبب اختلافهم تردد الوضوء بين كونه عبادة محضة أو طهارة، فإن كان القصد العبادة كالصلاة كان عبادة، وقد يراد به الطهارة فيكون طهارة فحسب؛ وما كان جامعا بهذا المعنى (بين العبادة والطهارة) تسقط منه النية كشرط صحة. وقد توسط ابن رشد برأيه بين المذهبين فقال: "والفقه أن ينظر بأيهما أقوى شبها فيلحق به" (20)، أي أن العبادة تلزمها النية، والطهارة تسقط عنها. وقد استعمل كلمة "والفقه" .. وهي تعني عنده الفهم العميق والصحيح للمسألة.
5 - الترجيح: كترجيحه للغسل في طهارة القدمين، بعد أن عرض الخلاف في قراءة (وأرجلَكم) من آية الوضوء بالنصب وبالخفض عن المسح. فقال: " .. والغسل أشد مناسبة للقدمين من المسح، كما أن المسح أشد مناسبة للرأس من الغسل" (21).
6 - عدم الالتفات إلى الخلاف بين المذاهب حال سكوت الشرع عن المسألة، لأن السكوت إعفاء للناس، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومثال ذلك: المسح على الخف المخروق؛ يقول: "قلت هذه المسألة مسكوت عنها، فلو كان فيها حكم مع عموم الابتلاء به لبينه صلى الله عليه وسلم (22)، وقد قال تعالى: "لتبين للناس ما نُزَّلَ إليهم" (23).
7 - الخروج من الخلاف دون الإدلاء برأيه بعد عرض أوجه الخلاف، كما في المقدار الواجب مسحه من الرأس عند الوضوء، هل بعضه أم كله؟ ويرجع الخلاف إلى الأصل اللغوي للكلمة. فاللفظ من قبيل المشترك غير الواضح الدلالة في قوله تعالى: ?وامسحوا برؤوسكم?، ويضيف قائلا: "وإذا سلمنا أن الباء زائدة، بقي هاهنا أيضا احتمال آخر وهو: هل الواجب الأخذ بأوائل الأسماء أم بأواخرها؟ ".
8 - العدول بالمسألة إلى الأصل، كما في مسألة غسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء في بداية الوضوء، حيث يعرض سبب اختلاف المذاهب، ويحصره في الأقوال، في أن الأمر: سني ومستحب وواجب على المستيقظ من النوم إطلاقا، وواجب على المستيقظ من نوم الليل. ثم يعدل بالمسألة إلى أصلها، فيبين أن المراد في الأصل طهارة اليدين، فقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في الإناء؛ فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده" يقصد به عدم تنجيس الماء، وقد خالف العلماءَ (مالك والشافعي وأحمد وداود) في حكم اليد بأن أرجع المسألة إلى الأصل.
9 - عند تساوي وتكافؤ أدلة المذاهب يعرض أنظارهم دون أن يرجح أحدها، كما في مسألة غسل اليدين إلى المرفقين.
10 - تحكيم ميول البشر وطبائعهم في الاجتهاد، كما فعل في مسألة استعمال الماء الذي تخالطه نجاسة، فبعد عرضه لآراء المذاهب في مقدار الماء الذي تؤثر فيه النجاسة، بحكم طبعه يقول: "وحد الكراهية عندي ما تعافه النفس وترى أنه ماء خبيث، وذلك أن ما يعاف الإنسان شربه يجب أن يتجنب استعماله في القربى إلى الله تعالى، وأن يعاف وروده على ظاهر بدنه كما يعاف وروده على داخله" (24).
فهذا الإقحام لطبائع البشر في الاجتهاد يبرهن عليه عقلا ومنطقا، فمن يعارض فكرة أن ما يعاف الإنسان شربه لا بد أن ينفر منه في القربات والعبادات؟.
11 - يسقط المذاهب والخلاف بينها إذا لم يكن لذلك معنى، كما في مسألة مسح الأذنين، فقد رأى قوم أنهما يغسلان مع الوجه، وبعضهم رأى أنه يمسح باطنهما ويغسل ظاهرهما مع الوجه لتردد الأذنين بين كونهما مفردا بذاته من أعضاء الوضوء أو جزءا من الرأس. وقد علق على ذلك: "وهذا لا معنى له مع اشتهار الآثار في ذلك بالمسح واشتهار العمل به" (25).
¥