تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إخواني الكرام فنتذكر دائما وأبدا أن هذه الغاية العظيمة من الصيام والقيام والحج وهي: التعرف على ربنا سبحانه بأسمائه وصفاته ووحدانيته سبحانه إنما هي غاية عظيمة تتجلى في كل طاعة وعبادة لله، فلا بد أن نجعلها دائما نصب أعيننا وأن نستحضر الإخلاص في كل طاعاتنا، وبهذا نكون قد تمسكنا بالعروة الوثقى ولزمنا ديننا القويم قال سبحانه: ((وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)) - البينة 5 - .

وقد فطن الصالحون لهذه الغاية العظيمة وكانت نصب أعينهم في كل أعمالهم، فجردوا أعمالهم لله تعالى وأخلصوا له في السر والعلن، بل كان من شأنهم أن عاداتهم غدت عبادات كريمة تضاعف لهم فيها الأجور وترفع لهم فيها الدرجات، حتى قال قائلهم: ((نية المؤمن خير من عمله)).

مواسم الطاعات مواسم انقياد واستسلام:

وهذه هي حقيقة الإسلام، فهي استسلام لله تعالى وانقياد له في أمره كله، ولسانه دائما يلهج عند سماع أوامر الله بقوله: سمعنا وأطعنا، قال سبحانه وتعالى: ((إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) - النور 51 - .

وإنَّ تَقَلُّبَ مواسم الطاعات مع ما فيها من تنوع العبادات لهو رسالة من الله على اختبار عباده؛ ليعلم المحسن من المسيء، وليتميز الطائع المتبع لشرع الله على المتبع لهواه، فعبادات الله متنوعة مختلفة وجعلت شعارا على مواسم الطاعات، وفيها تظهر حقيقة الابتلاء وقوة التمحيص، فكم من الناس يبذل ألوف الدراهم ولا يمتنع عن طعام وشراب ونساء، وكم من الناس يقوى على الصيام وطول القيام ولايخرج من جيبه دينارا ولا درهما، فجاء تنوع العبادات لينقاد العبد في أمره كله ولتتشكل شخصيته على وفق ما شرعه ربه لا على ما تهواه نفسه ويميل إليه قلبه، حتى يصير لسان حال العبد الطائع قائلاً: (يارب أي عبادة تأمرني بها فأنا مطيع لك متبع لشرعك؛ إن أمرتني بركوع وسجود وقيام فأنا العبد القانت، وإن أمرتني ببذل مالي صدقة وزكاة فأنا العبد المنفق المعطي، وإن أمرتني بالإمساك عن طعامي وشرابي وترك شهوتي فأنا العبد المطيع، وإن أمرتني بقصد بيتك الحرام والوقوف على مشاعر الأنبياء فأنا العبد الساعي إليك لترضى، إن أمرتني بعمل وإقدام فأنا المقبل على عملي كما تحب وترضى، وإن أمرتني بالكفِّ والإحجام فأنا العبد المطيع المباعد لما يسخطك ولا يرضيك، ويارب ما علِمتُ الصلاة إلا بتعلم شرعك فأديتها كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما صمت إلا إتباعا لأمرك من طلوع الفجر إلى غروبها، وما حججنا إلا إلى بيتك الحرام في الزمن الذي بينته لنا كما حج نبينا صلى الله عليه وسلم).

هذا لسان حال العبد المقبل على ربه المنقاد لشرع الله في أمره ونهيه، وما تقلُّبُ مواسم الطاعات وتكررها على العبد المسلم مع ما فيها من تنوع طرق الطاعات إلا لترسخ له حقيقةُ انقياده واستسلامه لله، فهو يعبد الله في كل وقت وحين حسبما أمره الله على الصفة التي يحبه الله تعالى من غير إفراط ولا تفريط ومن غير ابتداع ولا اختراع.

وكذلك تتجلى حقيقة الإسلام باجتماع أركان الإسلام في مواسم الطاعات، بل إن اجتماع أركان الإسلام الخمسة يظهر بأعمق صوره وأسعها في مواسم الطاعات، فإذا حلَّ علينا شهر الصيام تسارعت الناس إلى أداء زكاة أموالها، وأقبلوا على مكاتب الطيران للحجز للعمرة وأم البيت الحرام، بل ما انقضى شهر صومهم إلا ودخلت عليهم أشهر الحج، وهم لنهار رمضان صائمون ولليله قائمون متهجدون، وهذا كله ترويض لنفس المؤمن على طاعة الله بكل مايحبه ويرضاه سبحانه، حتى يصل العبد إلى درجة الأصفياء الذين ما أحب الله رؤيتهم في موطن من مواطن الطاعة إلا وجدهم فيه، وروى لنا الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أصبح منكم اليوم صائما؟ "، قال أبو بكر رضي الله عنه: " أنا "، قال: " فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ "، قال أبو بكر رضي الله عنه: " أنا "، قال: " فمن أطعم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير