البخاري يريد أن يحتج بكلام أُبي، وليس بكلام ابن مسعود: وأذكر مثال يبين الفرق بين الكلام عندما يُساق على سبيل الحكاية وليس على سبيل الاحتجاج.
مثال: صحيح مسلم أيضا قيل لأبي بن كعب: يا أبا المنذر إن أخاك ابن مسعود يقول: من قام الحول أدرك ليلة القدر قال: يرحم الله أبا عبد الرحمن – هو ابن مسعود – أراد ألا يتكل الناس، وإنه ليعلم أنها في رمضان، وأنها ليلة سبع وعشرين- وآية ذلك كما أخبر النبي ? إن الشمس تخرج يومها لا شعاع لها.
إذن أنا عندي في هذا الحديث قولان:
القول الأول: قول ابن مسعود: كأن رجلاً سأله أريد أن أحرز ليلة القدر، قال له: إذا قمت السنة كلها أدركت ليلة القدر. وابن مسعود يعلم أن ليلة القدر في رمضان، ليست في شوال ولا في شعبان، فأُبي بن كعب لمعرفته لمكانة ابن مسعود وعلمه قال: رحم الله أبا عبد الرحمن أراد ألا يتكل الناس. إذن تأول له لأنه عالم وقال: إنه ليعلم أنها في رمضان، وآية ذلك الحديث.
فالإمام مسلم عندما يورد هذا الحديث أراد أن يحتج بكلام من؟ بمذهب ابن مسعود أم بكلام أُبي بن كعب؟ قطعاً أراد أن يحتج بكلام أُبي بن كعب، إنما ساق كلام ابن مسعود على سبيل الحكاية، وليس على سبيل الاحتجاج إنما يُحتج بكلام أُبي وليس بكلام ابن مسعود.
أيضاً في صحيح مسلم من حديث عبيد بن عُمير رحمه الله قال:" بلغ عائشة رضي الله عنها أن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما يقول أو يفتي النساء أن ينقضن رؤوسهن من الجنابة._ أي أن المرأة إذا أجنبت وأرادت أن تغتسل، تنقض شعرها توصل الماء إلى أصول شعرها أم يكفي أن تضفر شعرها وتلفه هكذا ومن ثم تضع الماء عليه، ولا يبتل شعرها بالكامل؟ _عبد الله بن عمرو بن العاص، كان يقول: تنقض شعرها يوجب عليها أن يصل الماء إلى أصول الشعر.إذن هذا عندي مذهب، فقالت عائشة:" يا عجبا لابن عمر هذا، أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن"- ويرتحن من هذه القصة لأن المسألة هكذا شاقة،" لقد رأيتني أغتسل مع النبي ? من إناء واحد فما أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاثة إفراغات."
إذن أنا عندي كلام عبد الله بن عمرو بن العاص سيق على سبيل الحكاية، الإمام مسلم أراد قول عائشة أم قول عبد الله ابن عمرو بن العاص؟ أي إنسان يفهم يقول أنه أراد قول عائشة، وأورد قول عبد الله بن عمرو بن العاص على سبيل الحكاية ليس على سبيل الاحتجاج.
كذلك في الصحيحن وغيرهما يروى هذا الحديث، عبد الرحمن ابن أبزة – "جاء رجلٌ إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعمار بن ياسر كان جالساً فقال: يا أمير المؤمنين إني أجنبت ولم أجد ماءاً، فقال له: لا تصلي حتى تجد الماء, فقال عمار: يا أمير المؤمنين، ألا تذكر لما كنا في سرية كذا وكذا وأجنبنا، فأما أنت فلم تصلي وأما أنا فتمعكت في التراب- أي جلس يتمرمغ في التراب- فجئنا إلى النبي ? فقال: كان يكفيكما ضربة للوجه والكفين، فقال عمر: يا عمار إتق الله، - أي أن عمر نسي الحكاية كلها – قال: يا أمير المؤمنين إن شئت لم أحدثك – تريدني أن أسكت سوف أسكت – قال: لا بل نوليك ما توليت. أي أنت مسئول عن هذه الرواية"
فأنا عندي الآن حديث فيه قول لعمر وقول لعمار، البخاري عندما أورد هذا الحديث قال: (باب هل ينفخ فيهما؟) - في يديه عندما يتيمم هكذا هل ينفخ في يده؟ ومن ثم يمر على وجهه أم لا؟ - إذن البخاري أراد أن يحتج بقول عمر أم بقول عمار؟ أراد أن يحتج بقول عمار، إنما قول عمر جاء في سياق الحكاية وليس مذهباً للبخاري لأنه احتج به إذن أنا عندي الكلام، كلام يأتي في سياق الحكاية ليس مراداً للمصنف، إنما يريد أن يبين لك الحوار لأن هناك حوار جرى، فيريد أن يبين لك الحوار، هذا الحوار ليس موجوداً في الرواية الأولى التي تحت سورة الفلق، التي يرويها قتيبة بن سعيد، دخل مباشرةً البخاري علي كلام أبي بن كعب، يقول لك هكذا.
"سألت أُبي بن كعب عن المعوذتين قال، سألت النبي ? فقال: قيل لي، فقلت"، ولم يأت بقصة ابن مسعود، إنما أتى بقصة ابن مسعود في الناس.كما قلت لكم إنما أوردها على سبيل الحكاية وليس على سبيل الاحتجاج.
¥