{والذي يترجحُ - والعلمُ عند الله - أن لكل أهل بلد رؤيتهم؛ وذلك لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قصد من قوله {صوموا لرؤيته} أن رؤية الرجل الواحد في البلد الواحد رؤية لجميعه، وليس المراد أنها رؤية لجميع من في الأرض إِذْ لا يختلف إثنان أن الليل يكون هنا النهار ويكون عند غيرنا، وتتفاوت الأماكن يوماً ويومين، ولذلك لايمكننا أن نقول: إن حديث {صوموا لرؤيته} على العموم، يقول العلماء: إن العموم قد يُخَص بدلالة الحس وقد يدل الحس على تخصيصه ويمثل لها أهل الأصول بقوله -تعالى-: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} قالوا: هذا العموم مخصص بالحس؛ لأنها مادمرت كل شيء؛ وإنما دمرت كل شيء عذاباً ونكالاً وإلا كان ما دمرت الأرض لأنه قال: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} فهذا عام يشمل كل شيء في الأرض ومع ذلك قالوا: هذا العام مخصص بدلالة الحس بدليل الوجود.
كذلك - أيضاً - دليل الحس عندنا هنا لايمكننا أن نقول: إن رؤية بلد رؤية للجميع وهذه المسألة يقع فيها خطأ كثير وخلط كبير، ولذلك تجد المسلمين في مشرق الأرض ينقسمون قرابة ثلاثة فرق:
- فرقة تقول نصوم مع بلد كذا.
- فرقة تقول: نصوم مع بلد كذا.
- وفرقة تقول: لانصوم لا ببلد كذا ولا بغيره بل نصوم برؤيتنا.
والصحيح الذي يظهر - والله أعلم - من خلال النصوص وسنة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهديه التي تقطع النزاع أن كل بلد ملزمون بالرؤية، فإذا رأوا الهلال فالحمد لله وحينئذٍ يلزمهم ما يلزم الرائي من صيام ذلك الشهر.
وأما إذا لم يروا الهلال فإنهم باقون على الأصل؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال {صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم .. } فنجعل لكل بلد رؤيتهم ولو أن كل منطقة تراءت الهلال مثلاً منطقة المشرق تترآه ومنطقة المغرب تترآه فإن ثبت عندهم فبها ونعمت، وإن لم يثبت أكملوا العدة فكل على خير، أما لو قلنا: إن رؤية بلد هي رؤية لغيره يتنازعون هل نتبع هذا البلد أو نتبع هذا البلد؟ نعتد بهذه الرؤية أو هذه الرؤية؟
ولذلك تقع كثير من الفتن والمشاكل بسبب جعل الرؤية الواحدة رؤية للجميع والذي يظهر من خلال السُّنة خاصةً حديث ابن عباس 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - الذي قال فيه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - {اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل} يقول لا نفى هذا وقال: هكذا أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فصار تفسيراً لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - {صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته} أي صوموا يا أهل الشام لرؤيتكم، وصوموا يا أهل الحجاز لرؤيتكم، فجعل لكل أهل منطقة رؤيتهم وهذا هو الذي يندفع به الإشكال ويزول به اللبس إذا جُعل لكل بلد رؤيتهم المعتبرة، وحينئذٍ إذا رأوا الهلال عملوا بالرؤية، وإذا لم يروه أكملوا العدة ثلاثين يوماً} انتهى.
- وفي مسالةِ الفاسقِ يشهدُ برؤيةِ الهلالِ , هل تُرَدُّ شهادتهُ بفسقهِ أم يؤخَذُ بقول الحنفيَّةِ بالتفريقِ بين الفسقِ الذي تحصُلُ بهِ التهمةُ والذي لا تحصلُ بهِ التهمةُ.؟
قال الشيخُ: إنَّ الصحيحَ ردُّ شهادتهِ سواءً كان ممن يغلب على الظن صدقه أو لا يغلب على الظن صدقه , واستثنى من ذلكَ ما سبقهُ إليهِ بعضُ أهلِ العلمِ في حالِ عمَّ الفسق وانتشر , فإنَّتهُ يؤخَذُ بشهادةِ أمثلِ الفُسَّاقِ وأضبطهم إعمالاً للقاعدةِ الشرعيةِ القاضيةِ بانَّ الأمرَ إذا ضاقَ اتَّسعَ , ولأنَّ هذا مما تعمُّ بهِ البلوى.
- وفي مسالةِ شهادةِ الأنثى برؤيةِ الهلالِ قال الشيخُ بعدمِ اعتبارها وأنَّ شهادةَ المراةِ مقصورةٌ على الأمور الماليَّةِ وما في حُكمِها.
واللهُ تعالى أعلُم , وسأتبِعُ هذا القدرَ بمثلهِ في كُلِّ يومٍ بمشيئة الباري تعالى وتقدَّسَ.
ـ[أبوالفداء المصري]ــــــــ[04 - 08 - 10, 07:38 م]ـ
جزاك الله خيرا وحفظ الله الشيخ ونفعنا بعلومه
من أي الشروح هذه التعليقات بارك الله فيك؟ (استفسار)
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[05 - 08 - 10, 12:12 ص]ـ
ابتدأتُها من شرحهِ على الزَّادِ , وسأصيفُ إليها ما لم يذكرهُ في الزَّادِ من شرح السُّننِ وغيرهِ.
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[05 - 08 - 10, 12:16 ص]ـ
¥