تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

• وروى مسلم في صحيحه: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِيَ بالحرام، فأنَّى يُستجاب لذلك؟)) فلقد استجمع هذا الرجل من صفات الذل والمسكنة والحاجة والفاقة إلى ربه ما يدعو إلى رثاء حاله ويؤكد شدة افتقاره، ولكنه قد قطع صلته بربه، وحَرَمَ نفسه من مدد الله وفضله، وحال بينه وبين قبول دعائه ما هو عليه من استعمال للحرام في المأكل والمشرب والملبس، وماذا يبقى للعبد إذا انقطعت صلته بربه وحُجب دعاؤه وحيل بينه وبين رحمة الله؟ ولذا كان السلف الصالح في غاية الخوف من أكل الحرام والمبالغة في التحذير منه حتى قال بعضهم: (لو قُمتَ في العبادة قيام السارية ما نفعك ذلك حتى تنظر فيما دخل بطنك).

• وروى البخاري، عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان لأبي بكر الصديق رضي الله عنه غلام فجاء له يومًا بشئٍ فأكل منه، فقال له الغلام: أتدري ما هذا؟ فقال أبو بكر و ما هو؟ فقال: تكهنتُ لإنسان في الجاهلية وما أُحسنُ الكِهانة إلا أني خدعته فَلقينِي فأعطاني بذلك هذا الذي أكلت منه، فأدخل أبوبكر يده فقاء كل شئ في بطنه) وفي رواية أنه قال: لو لم تخرج إلا مع نفسي لأخرجتها، اللهم إني أبرؤ إليك مما حملت العروق وخالط الأمعاء.

• ورُوي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه شرب لبنًا فأعجبه، فقال للذي سقاه من أين لك هذا؟ فقال مررت بإبل الصدقة وهم على ماء فأخذت من ألبانها، فأدخل عمر يده فاستقاء.

• وأوصت إحدى الصالحات زوجها وقالت له: يا هذا، اتق الله في رزقنا فإنا نصبر على الجوع ولا نصبر على النار. وإن من العجب أن يحتمي بعض الناس من الحلال مخافة المرض ولا يحتمون من الحرام مخافة النار! وما ذاك إلا لقسوة القلوب واستيلاء الغفلة على النفوس وضعف الإيمان وقلة البصيرة في الدين.

عباد الله، إن للمكاسب المحرمة آثارًا سيئة على الفرد والمجتمع فإنها تُضعف الديانة وتعمي البصيرة، ومن أسباب محق البركة في الأرزاق وحلول المصائب والرزايا وحصول الأزمات المالية المستحكِمة والبطالة المتفشية وانتشار المحن والشحناء والعداء والبغضاء.

وإن مما يؤسى له عظيم الأسى أن في الناس من لا يتحاشون عن اكتساب المال الحرام وتحصيله من أي طريق وعبر أي وسيلة، إذ ليس لهم همٌّ إلا تكديس الأموال وتضخيم الثروات، فالحلال في عرفهم ما قدروا عليه والحرام ما تعذر وصولهم إليه، يسلكون في طلبه مسالك معوَّجة وسبلاً مشبوهة، بل وقد لا يكترثون من المجاهرة بالمكاسب الخبيثة والاستيلاء على الأموال المحرمة التي لا شبهة في تحريمها، حتى أصبح هذا المسلك المشين لشيوعه وانتشاره ظاهرة مألوفة في كثير من مجتمعات المسلمين، حيث فشا فيها أكل الربا وتعاطي الرشوة والغصب والسرقة، والمتاجرة بالمحرمات كالخمور والمخدرات وآلات اللهو والغناء ونحوها، وتطفيف المكاييل والموازين والغش والخداع في البيوع والمعاملات وإنفاق السلع بالأيمان الفاجرة، وأكل أموال اليتامى والقاصرين والاستيلاء على الحقوق والممتلكات واختلاس الأموال الخاصة والعامة بأساليب مختلفة وسبلٍ متنوعة بلا خوفٍ من الله ولا حياءٍ من عباد الله، في صور مهينة من صور البطر والأشر والجشع والطمع لدى بعض النفوس حين يضعف فيها وازع الإيمان وتتحلل من المروءة ومكارم الأخلاق، وإنه ليكاد يصدق على هذا الزمان ما جاء في الحديث عند البخاري وغيره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ منه أمن الحلال أم من الحرام)) فأين هؤلاء عن قوارع التنزيل التي تُتلى والأحاديث التي تُروى في التحذير من أكل الحرام وبيان عاقبة صاحبه وسوء مصيره ومنقلبه؟ أليس لهم فيها مُدّكرٌ وواعظ ومزدجرٌ ورادع؟ ((أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)) (محمد:24).

• يقول الحق جل وعلا في التحذير من الربا: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ)) (البقرة:278 - 279)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير