تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

1 - وهذه الوصية – وإن كانوا هم يسمونها "وصية" – إلا أنها في حقيقة الأمر "ميراث".

ولذلك قال الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه "شرح قانون الوصية" (ص 239) بعد أن ذكر أحكام الوصية في القانون، قال: "هذه خلاصة أحكام الوصية الواجبة. . . وهذه الأحكام في غايتها ومرماها وفي الغرض منها والسبب الباعث عليها تنحو نحو الميراث، فالقانون جعل بهذه الوصية لأولاد من يموت في حياة أبويه ميراثاً مفروضاً، هو ميراثه الذي كان يستحقه لو بقي بعد وفاة أصله، على ألا يتجاوز الثلث، وإذا كان هذا غاية القانون، فكل الأحكام تتجه إلى جعل هذه الوصية ميراثاً، ولذا تجب من غير إيجاب، وإذا وجبت صارت لازمة، لا تقبل عدم التنفيذ، وبذلك تشابهت مع الميراث" انتهى.

وإذا كانت ميراثا فهي باطلة بطلانا قطعيا، لأن الله تعالى قد قسم المواريث بنفسه وبينها في كتابه تفصيلا، ثم قال: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) النساء/13 - 14.

فهذه الوصية الواجبة ما هي إلا استدراك وتعديل على حكم الله تعالى، وكفى بهذا إثما وضلالا مبينا، فإنه لا أحد أحسن حكما من الله عز وجل (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة/50.

2 - الآية التي استدلوا بها على مشروعية هذه الوصية، قد خالفوها من ثلاثة أوجه:

الأول: قوله تعالى: (إن ترك خيرا) فهذا تقييد للأمر بالوصية فلا يؤمر بالوصية إلا من ترك خيرا، وهو المال الكثير. قاله علي وابن عباس رضي الله عنهم، وقد اختلف العلماء في مقداره، واختار ابن قدامة رحمه الله أن المراد بذلك المال الكثير الذي يفضل منه شيء بعد إغناء الورثة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم علَّل المنع من الوصية بأكثر من الثلث بقوله: (أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ) رواه البخاري (1296) ومسلم (1628). انظر: "المغني" (8/ 391).

فهذا القيد (إن ترك خيرا) شرط للوجوب كما هو ظاهر، والقانون أهمل هذا الشرط، وأعطاهم جزءاً من التركة سواء ترك الميت مالاً كثيراً أم قليلاً.

الوجه الثاني: قوله تعالى: (والأقربين) عام في جميع الأقربين، فيشمل الأحفاد والإخوة وأولادهم، والأعمام والأخوال وأولادهم، وغيرهم من الأقارب، فتخصيصه بالأحفاد مخالفة أخرى للآية.

الوجه الثالث: الآية لم تحدد الوصية بقدر معين، لا نصيب الأب ولا غيره، فإذا أوصى الرجل مثلاً لحفيده بالسدس فقد امتثل الأمر الوارد في الآية، غير أن القانون لا يكتفي بهذا، بل يكمل له نصيب أبيه الذي لو فرض أنه كان حيا لأخذه، بشرط ألا يزيد على الثلث، وهذه مخالفة ثالثة للآية.

3 - سبب تشريع القانون كما في المذكرة التفسيرية تكرر الشكوى عن حالة موت الأب في حياة أبيه ويترك أولاده صغارا فقراء محتاجين ثم يموت الجد ويأخذ أعمامهم الميراث كله، ويبقى هؤلاء الأحفاد فقراء، في حين أن أباهم لو كان حياً لكان له نصيب من الميراث.

فإن كان هذا هو سبب تشريع القانون، فلماذا أعطى القانون الأحفاد جزءاً من التركة ولم يشترط فقرهم؟ بل أعطاهم ولو كانوا أغنياء، وكان الواجب الاقتصار على حالة الحاجة.

قال الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله (ص244): " والحق أننا إن أخذنا بالوجوب (يعني وجوب الوصية) يجب أن نعتبر الاحتياج، لأن الوصايا من باب الصدقات فيجب أن تكون للفقراء، ولأن الوصية الواجبة تقدم على غيرها فيجب أن تكون القربة فيها أوضح " انتهى بتصرف يسير.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير