تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

4 - قصر القانون الأقارب الذين يستحقون هذه الوصية على الأحفاد فقط، وأعطاهم نصيب أبيهم، وقد يفهم من القانون أن هذا مذهب ابن حزم رحمه الله، وليس هذا مذهبه، فابن حزم رحمه الله لا يخص الوصية بالأحفاد بل تكون لجميع الأقارب غير الوارثين، ويوجب على الموصي أن يوصي لثلاثة من أقاربه على الأقل، لأن هذا هو أقل الجمع، ثم إن ابن حزم رحمه الله لم يحدد الجزء من المال الموصى به بمقدار معين، بل بما يشاء الميت، فإن لم يوص فالورثة أو الوصي هم الذين يحددون مقدار ما يخرجونه من المال للأقارب.

قال ابن حزم رحمه الله: " فمن مات ولم يوص: ففرضٌ أن يُتصدق عنه بما تيسر، ولا بد ; لأن فرض الوصية واجب , كما أوردنا , فصح أنه قد وجب أن يخرج شيء من ماله بعد الموت , فإذ ذلك كذلك فقد سقط ملكه عما وجب إخراجه من ماله. ولا حدّ في ذلك إلا ما رآه الورثة , أو الوصي مما لا إجحاف فيه على الورثة ". إلى أن قال: " وفرضٌ على كل مسلم أن يوصي لقرابته الذين لا يرثون , إما لرقٍّ , وإما لكفر , وإما لأن هنالك من يحجبهم عن الميراث، أو لأنهم لا يرثون فيوصي لهم بما طابت به نفسه , لا حدّ في ذلك , فإن لم يفعل أُعطوا ولا بدّ ما رآه الورثةُ , أو الوصيُّ " انتهى من "المحلى" (8/ 351).

فهذا ابن حزم يصرح أنه لا حد لهذه الوصية.

4 - هذه الوصية بهذا التفصيل الوارد في القانون، لم يقل بها أحد من علماء الإسلام قاطبة على مدار أربعة عشر قرناً من الزمان، وكفى بهذا دليلاً على بطلان هذا القانون، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ) رواه الترمذي (2167) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.

فلو كانت هذه الوصية بهذا التفصيل حقاً، لما تركت الأمة بأسرها العمل بها، حتى يأتي هؤلاء المتأخرون وينصفون من ظلمه الأئمة والعلماء والمسلمون على مدار أربعة عشر قرناً!!

5 - هناك حالات كثيرة إذا تأملها الإنسان المنصف تبين له بطلان هذا القانون، منها:

أ- قد يكون الأحفاد أغنياء وأعمامهم (أولاد الميت) فقراء، والقانون في هذه الحالة أيضاً يعطي الأحفاد جزءاً من التركة تحت مسمى "الوصية الواجبة"! مع أن أعمامهم أولى بهذا المال منهم، لأنهم أقرب إلى الميت منهم، ولحاجتهم إليه.

ب - لماذا يراعي القانون الأحفاد ولا يراعي الأجداد والجدات غير الوارثين، مع أنهم في الغالب أشد حاجة ويكونون مرضى، وعاجزين عن العمل، ويحتاجون إلى علاج ونفقات.

فلماذا يعطي القانون بنت البنت ولا يعطي أم الأب مثلاً؟!

ج - أن بنت البنت قد تأخذ أكثر مما ترثه بنت الابن، فلو مات شخص عن بنت، وبنت بنت متوفاة، وبنت ابن، وترك 30 فدانا مثلا، فإن مقدار الوصية الواجبة لبنت البنت هنا هو ثلث التركة وهو 10 أفدنة نصيب أمها لو كانت حية.

وتأخذ البنت وبنت الابن الباقي فرضا وردا بنسبة 1:3، فيكون نصيب بنت الابن خمسة أفدنة أي نصف ما أخذته بنت البنت!!

مع أن بنت الابن أحق منها، ولذلك انعقد إجماع العلماء على أن بنت الابن ترث، وأن بنت البنت لا ترث، فكيف يُعطى غير الوارث أكثر من الوارث، مع أنهما في درجة قرابة واحدة؟!

د - أن بنت الابن قد تأخذ أكثر من البنت، وذلك فيما إذا مات شخص عن بنتين، وبنت ابن متوفى، وأخت شقيقة، وترك 18 فدانا مثلا، فإن مقدار الوصية لبنت الابن ثلث التركة وهو 6 أفدنة، أما الباقي فيقسم بين البنتين والأخت الشقيقة، فتأخذ البنتان الثلثين 8 أفدنة، لكل منهما 4 أفدنة، وتأخذ الأخت الشقيقة الباقي وهي 4 أفدنة!!

وهذا الشذوذ والاختلاف دليل على نقص البشر، وتصديق لقوله تعالى: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) النساء/82.

وأقوى هذه الاعتراضات على القانون: أن هذه الوصية صارت في حقيقة الأمر ميراثاً، ولذلك يأخذ الأحفاد هذا النصيب وإن لم يوص الميت لهم بشيء، ويأخذونه سواء ترك مالا كثيرا أو قليلاً، وسواء كانوا فقراء أم أغنياء، وهذه كله يدل على أنها ميراث، وهذا اعتراض منهم على حكم الله تعالى وتغيير له.

ثانياً:

وأما الحالة التي زعموا أنهم وضعوا هذا القانون علاجاً لها، وهي "فقر الأحفاد" فيمكن حلها بطرق لا تتعارض مع الشرع.

الطريقة الأولى: أن يُعَلَّم الأغنياء أنه يجب عليهم أو على أقل تقدير يستحب أن يوصوا لأقاربهم الفقراء بجزء من أموالهم.

الطريقة الثانية: إذا لم يوص فإن الورثة إذا كانوا أغنياء ينبغي لهم أن يعطوا الأحفاد أو غيرهم من الأقارب الفقراء جزءا من هذا المال، ويكون صدقة منهم وصلة للرحم.

فبهاتين الطريقتين يمكن علاج تلك المشكلة من غير الوقوع في مخالفة الشرع.

ثالثاً:

أما أخذ المال بهذه الوصية، فهو حرام، لقول الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) النساء/30.

وأكل المال بالباطل هو أخذه من غير سبب شرعي يبيح ذلك.

ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا) رواه البخاري (67) ومسلم (1679).

نسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إلى دينهم ردا جميلا.

والله أعلم.

الإسلام سؤال وجواب

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير