تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

اعلم -رحمك الله- أنه إذا صحت أصول المختلفين وتوحد منهجهم، فلا يجوز -بعد ذلك- التفرق والشقاق والتحزب لأجل اختلافهم في الحكم على بعض الأعيان، ولا يجوز عقد الولاء و البراء في هذا، ولا يلزم منه تضليل المخالف ولا مفارقته، لأن الاختلاف في الأعيان، يدخل في باب الاختلاف المعتبر، واختلاف التمثيل، وإنما أفردته بالذكر لما حصل بسبب ذلك في زماننا من الفتن في الأعيان .. وإلا فهو محل اجتهاد ... ولكلٍ اجتهاده، ومن جرح لأجل هذا، وصنف فقد ضل وفرَّق، وتحزب وتنطع ().

ومن ذلك: أن يكون اختلافهم في التجريح والتعديل متناقضا أشد التناقض، كما اختلف سلفنا في تكفير بعض الأعيان، وفي تبديعهم وتجريحهم، فاختلفوا في الحجاج تكفيراً وزندقة، واختلفوا في الجنيد وإبراهيم بن أدهم وعبد القادر الجيلاني، وغير هؤلاء كثير، تبديعاً وتفسيقاً .. بل اختلفوا في بعض الأعيان .. هل هم صحابة أم منافقون .. ؟! ومع ذلك لم يتخاصموا ولم يتفرقوا، ولم يجرح بعضهم بعضاً لذلك، ولم يُلزم أحدُهم قولَه أحداً، ولا يلزم الآخرين التبرؤ منه، ولا حجة بأحد على أحد، ولا يحتج بعالم أو علماء مهما كانوا ماداموا مختلفين إلا أن يتفقوا، فإن سعيد بن جبير ومن معه لما كفروا الحجاج، لم يلزموا الحسن البصري وغيره التبرؤ منه، ولا نادى بين الناس أن من لم يتبرأ من الحجاج فهو مبتدع .. ولا كفّر سعيد بن جبير الحسن، وليس هذا المقام مقام ولاء وبراء، كما يفعل بعض الحد ثاء ومن يؤازرهم، ومن خالف هذا المنهج فقد فرق، وكان سبباً في إشعال الفتنة بين المسلمين، فتنبه لذلك وكن من الراشدين.

وإذاً اتفقنا في المعاني فلا مشاحة إذا اختلفنا بعد ذلك في الأعيان .. والاختلاف في الأعيان لا يفسد الإتفاق والمودة بين الإخوان.

ولقد وقع في زماننا هذا من التعصب للأعيان والتحزب لهم، والتفرق من أجلهم، والولاء والبراء فيهم، الشيء العظيم، وجلب على المسلمين الشر الكبير، كأن الإسلام مبني على الولاء والبراء في الأعيان .. فلاحق فيه ولا تأصيل، ولا مبدأ فيه ولا دليل، إلا هؤلاء الأعيان .. نعوذ بالله من من فقه الصبيان.

الصورة الرابعة: اختلافهم في تصور مسألة أو فهم واقعة، ثم اختلافهم في حكمها.

تنزيل الأحكام على الوقائع ممن هم أهل لذلك،واختلافهم في ذلك داخل في هذا الباب

واختلاف كثير من العلماء المعاصرين في أحكام كثير من الوقائع المعاصرة كحكم الإحرام من جدة، والعقود المنتهية بالتمليك، وحكم الجهاد في بعض البقاع كاختلاف الرسول? وأصحابه في أسارى بدر.

الصورة الخامسة: اختلافهم في تفسير نص من الكتاب أو السنة، أو تفسير نص لأحد الأعيان، وأمثلة هذا كثيرة.

وهذه الصور كلها صور متداخلة ومتكررة، أردنا زيادة التفصيل، لزيادة التوضيح، وهي تدخل في باب الخلاف المعتبر، الذي لا يجوز الإنكار فيه و لا التفضيح، ولا التنازع ولا التجريح، مهما كانت شدة الخلاف، ومهما كان موضعه، ومهما كانت نتائجه، وإنما الواجب فيه النصح والتوضيح، والبيان والتصحيح .. فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان لا يرى التيمُّمَ للجنب، ولو ترك الصلاة عشر سنين .. وهذا خلاف بين الصحابة شديد. وهذا الإمام أحمد رحمه الله كان يرى كفر تارك الصلاة .. وبهذا يخرج -عنده- من المسلمين -عند غيره- كثيرون، وهو خلاف شديد بين الأئمة، وثماره كبيرة ومهمة، ومع ذلك، لم ينكر على عمر، ولم يجرح أحمد، ولا يجوز أن يلام أبداً، بل أصحاب هذا الخلاف بين أجر أو أجرين.

الرابع من أنواع الخلاف -خلاف الخطأ: هذا النوع فرع من النوع السابق، وفيه شيء من الدِّقَّة.

تعريفه:هو كل اجتهاد معتبر ثبت بعد ذلك خطؤه، بدليل قطعي الثبوت، قطعي الدلالة، بحيث لو اطلع عليه المخالف تراجع.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير