وبتعبير آخر: سقوط مناط حكم المجتهد، سقوطاً كلياً، كاجتهاد خالد بن الوليد رضي الله عنه في قتل بني جزيمة، والذي قال فيه رسول الله?: ((اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد))، وكترك رفع الأيدي قبل الركوع وبعده عند بعض الأئمة، وما شابه ذلك، مما لم يظهر للمجتهد حين اجتهاده النص الذي يتبين به خطؤه، ثم ظهر النص بعد ذلك جلياً، قطعي الدلالة، قطعي الثبوت، بحيث لو وقف عليه المجتهد، لتراجع عن رأيه، وقولنا عنه: خطأ، احتراماً للمجتهد وتقديراً لحقه.
قاعدته: المجتهد: يُخطَّئ ولا يُلام، والمقلد يُنصح ويُعلم ويُبين له، فإن أصرَّ على الخطأ تقليداً للمجتهد مع ظهور الدليل، فقد وقع في الضلال.
5 - خلاف الضلال:
تعريفه: هو كل خلاف سقط عند صاحبه أحد الشرطين الأولين في الخلاف المعتبر، أو كان مناط حكمه فاسداً. والشرطان هما: أهلية الاجتهاد، وصحة الأصول.
كأن يكون القائل: ليس أهلاً للاجتهاد، أو تكون أصوله فاسدة، أو يخالف نصاً صريحاً لا يحتمل التأويل، أو يبني اجتهاده على مالا يعتبر شرعاً، كالفلسفة وعلم الكلام، وسياسة الواقع وما شابه ذلك، ومعظم هذا الصنف من أهل الابتداع والعواطف، والحماسة والجهل، وتتبع الرخص، ولكنه ما يزال يدور في فلك الإسلام، ويتذرع ببعض النصوص العامة.
مثاله: أقوال أهل البدع جميعاً التي خالفوا فيها أهل السنة –كالقول بعدم رؤية الله في الآخرة- والقرآن مخلوق – والتكفير بالذنب –تفضيل أحد على الراشدين –الغمز ببعض الصحابة –المرتد لا يقتل. –جواز الاختلاط.
قاعدته: نفارق ونضلل. وذلك بعد البيان والنصح .. والنظر في مفاسد ذلك ومصالحه.
6 - خلاف الهوى والجهالة:
هذا الخلاف قريب من السابق أو نوع منه، إلا أن أساسه الهوى والفساد، بالاتفاق بين المسلمين، وأما السابق، فقد يكون محل قيل وقال بين أهل الحق وأهل البدع، إذ قد يكون لهم شبهة في استدلالهم.
تعريفه: هو كل مخالفة لأهل الحق أو الدين، في الدين والدنيا والإدارة، أساسه الهوى، والجهالة، ليس له من الأدلة مستند، ولا هو من الدين أصلا.
مثاله:
- الخارجون على الحاكم المسلم لمصالح شخصية، أو عصبيات جاهلية.
- الحاكمون بغير ما أنزل الله من غير كفر أكبر.
- الفتاوى التي تباع مما يخالف دين الله.
- ما يحصل من الاقتتال بين المسلمين بغير حق.
قاعدته: نعتزل ونضلل، ونقف مع الحق ونجاهد معه، بأموالنا وأنفسنا حسب استطاعتنا.
7 - الخلاف الإداري:
تعريفه: هو كل خلاف في الرأي في أمور إدارية أو دنيوية، وليست في الدين نفسه. ولا من خلاف الهوى.
أو هو: اختلاف وجهات النظر في تسيير الأمور لا دليل أصلاً في المسألة للحكم فيها، أو الترجيح.
مثاله: الاختلاف في مكان بناء المسجد .. تعيين وقت المحاضرة أو الدروس .. موعد السفر الجماعي .. توزيع الأعمال على العاملين .. تنظيم أمور الجمعيات والمراكز، من تعيين الرئيس، والهيئة الإدارية وما شابه ذلك.
أسبابه: تفاوت النظر في المصالح والمفاسد، أو العناد، والإصرار على الرأي، لأن صاحبه يعتقد صوابه، ويكون سببه حب الذات، وسوء الأخلاق.
وكثير من خلافات المسلمين في جمعياتهم ومراكزهم ومساجدهم من هذا الباب، وكثير من الانشقاقات الداخلية في الجماعات بسببه.
قاعدته: التطاوع.
وهو ترك الرأي -ولو كان صاحبه يعدّه صواباً- إلى رأي غيره -ولو كان يراه خطأ-
ولقد ترك رسول الله ? رأيه - الاجتهادي الإداري - أكثر من مرة، لمن هو دونه، و كان رأيه صواباً، كما في غزوة أحد، حين ارتأى أن يقاتل في المدينة، ورأى الصحابة القتال خارج المدينة فطاوعهم، رغم خطأ رأيهم، وحصل ذلك في غزوة الطائف، حين ارتأى الرحيل، وتأخير القتال، ورأى الصحابة القتال، فطاوعهم رغم خطأ رأيهم. فهل لنا في ذلك عبرة.
واعلم أن في التطاوع -وإن كان قبولاً برأي يراه خطأ- خيراً كبيراً، ونفعاً عظيماً، ليس هاهنا مجال ذكره. وأن في العناد والإصرار على الرأي-وإن كان صاحبه يراه صواباً- شراً عظيماً، وفشلاً كبيراً، قال تعالى: ?ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ? [الأنفال: (46)].
ولو أننا نتطاوع لكان خيراً لنا، وأقوى وأحفظ لوحدة المسلمين وكلمتهم ().
حكم الاختلاف في العقيدة:
¥