وهذا يتعلق بتقسيم العلوم، كما في المنطق، فان ثمة المقدمات والنتائج، فهذا تقسيم، فان بعض العلوم رتبته على انه من مقام المقدمات، وبعض العلوم رتبته على انه من مقام النتائج وهذا التصور لهذه الصلة، يوجب حسن فقه، كما لو درست علم اصول الفقه، والفقه، فإن علم اصول الفقه مقدمة لهذه النتيجة وهي الفقه واصول الفقه مقدمته، فحسن المعرفة بهذا المعيار بين هذا العلم بين علم اصول الفقه والفقه يعطي طالب العلم حسن تصور لمسائل الاصول ولمسائل الفقه، لماذا يقال هذا؟ لا يدرس علم اصول الفقه منفكا ومنقطعا عن علم الفقه، فلا يحفظ من كلام الاصوليين الا جملا من تسمية النظار، الذين كتبوا في علم الاصول وذلكم ان اكثر الكاتبين في علم صول الفقه هم من النظار المتكلمين، الذين كانوا متمذهبين بمذاهب ائمة الفقهاء، وخاصة من الائمة الثلاثة مذهب ابي حنيفة ومالك والشافعي.
كتبوا في اصول الفقه وان كانوا متكلمة نظارا لكنهم من وجه اخر فقهاء وهم متمذهبون بمذهب ابي حنيفة او بمذهب الشافعي او بمذهب مالك، ومن ساق ونسج على طريقتهم من الحنابلة ايضا، الذين استفادوا من كلام الشافعية بخاصة فيما كتبوه في اصول الفقه، وان كان يقع في الحنابلة من له تأصيل واختصاص في تحقيق علم اصول الفقه وهذا معروف وبين ن انما المقصود ان اكثر الكاتبين الذين وصلت كتبهم هم من النظار ومن لم يكن كذلك فتجد ان كثيرا منهم قد نسج او لخص عنهم من كان فقيها محضا ليس متكلما او من نظار المتكلمة، فتجد انه لخص من كتب النظار في مثل هذا المقام
وانما نشير الى ذلك لان ائمة النظر الذين كتبوا في اصول الفقه، جعلوا من اصول مادته علم الكلام، وعن هذا تجد ان الامدي، قال (ان علم اصول الفقه مستمد من علم الكلام) هذا النوع من الادراك لابد ان يحيط به الناظر في علم اصول الفقه حتى لا يتوهم في مسائل اصول الفقه ما ليس هو من حقيقة مذهب الائمة، لان بعض مسائل الاصول وقعت فرعا عن خلاف بين المتكلمين وبخاصة بين متكلمة المعتزلة أو بين الاشعرية والمعتزلة، كطوائف من المتكلمين الذين تكلموا في اصول الدين ثم كتبوا في علم اصول الفقه وبخاصة من مال من المعتزلة الى مذهب الامام ابي حنيفة في الفقه، فكتبوا اصولا منسوبة الى فقه الحنفية، ولكن فيها مادة من اصول المعتزلة الكلامية ويقع لذلك نقائض في مسائل التكليف ومسائل القدر وما تفرع عنها من بعض المسائل كمسالة التحسين والتقبيح العقليين، ومسالة: التكليف بما لا يطاق، ومسالة: شرط التكليف والاستطاعة مع الفعل او قبله، ومسائل: الامر بالشيء نهي عن ضده او ليس نهي عن ضده، وكثير من هذه المسائل تترتب على هذا النفس.
ومن هنا لابد ان الباحث عن اصول الفقه يكون حسن الاحاطة حنى يستفيد اصول فقه، يمكنه ان يكون مطبقا لها اذا درس الفروع الفقهية
على كل حال هذا بحث فيما يعني اخذ العلم في هذه المقدمة، معرفة المقدمات من العلوم، ومعرفة النتائج ن معرفة الادلة معرفة الدلالات، هذه التراتيب العلمية هي التي تبني الملكة لدى طالب العلم، يعرف الادلة، ماهي ادلة الشريعة، ادلة الشريعة الكتاب والسنة، واذا جئت الى الفقهاء وعلماء الاصول اعني اصول الفقه يقولون، او يسمون:الادلة المتفق عليها والادلة المختلف فيها المتفق عليها وهي الكتاب والسنة والاجماع ويبدؤون بالمختلف فيها القياس والاستحسان، وقول الصحابي والمصلحة المرسلة الى اخره ...
الاصل في المعيار الشرعي ان الدليل هو الكتاب والسنة، والله انما امر القران متواترا و تترى في القران ان يتبعوا ما انزل اليهم وان يسمعوا او يستجيبوا او يطيعوا الله ورسوله، اذن ما معنى القياس وما معنى الاستحسان، هذا من حقيقته انه متولد من دليل الشارع، مقتضى خطاب الشارع، وهذا الذي جعلهم يجعلون القياس حجة، ودليلا، ويجعلون الاستصحاب حجة ودليلا في بعض مقاماته، ... الخ
المقدمة الرابعة: غايته
غاية علم الشريعة، يتردد في كلام كثير من العباد، واصحاب السلوك، والمتصوفة، وبعض الفضلاء من اهل العلم المتأخرين أن الغاية منه العمل وأنه وسيلة الى العمل وهذا فيما ارى: فيه نظر، وليس الماخذ هنا ان العلم يقصد العمل به، العمل صحيح، ولكن فيه نظر من جهة تسمية علم الشريعة وسيلة، والصواب انه غاية بذاته وشريف بذاته وعبادة بذاته
فانك تقول انه وسيلة الى العمل، والصحيح العمل اصل، ولكن العلم اصله، وتعلم ان الايمان بالله له ركنان، من مقتضى النصوص، وهذا من باب الترتيب العلمي وليس، في القطع الشرعي، والا لك ان تقول اركانه ستة كما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، لما قال (الايمان ان تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر) مع ان النبي ما نطق بكلمة الاركان انما اذا جئنا الى التراتيب العلمية، يقال: الايمان بالله يتضمن ركنين، معرفة لله، وعبادته
اذن العلم يقصد للعمل هذا صحيح لكن لا يفهم الناظر في هذا لقول لبعض علماء السلوك، او بعض الجمل المأثورة عن بعض سلف هذه الامة من التابعين او بعض الصحابة حينما يقول بعضهم (انما العلم خشية الله) مثلا أو (انما يبتغى العلم لخشية الله) وهذا حق وقد سبق به القران {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} فاطر28، فلا شك ان العمل به اصل، لكن لا توهم احد ان العلم وسيلة بمعنى: ليس شريفا بذاته فهذا خطأ، فالعلم علم الشريعة القران السنة مثل الصلاة، هو شريف بذاته وهو أحد ركني الايمان، فان الايمان هو علم وعمل
وتعرفون ان سلف الامة اجمعوا كما حكى الاجماع الامام البخاري والامام احمد ووكيع ابن الجراح وغيرهم، بل قال الامام البخاري (لقيت اكثر من الف استاذ بالامصار كلهم يقولون الايمان قول وعمل)
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد و آله وصحبه
فرّغه الأخ أبو مالك إبراهيم الفوكي السّلفي
فوكة / الجزائر