تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وَالِاسْمُ إذَا بَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّ مُسَمَّاهُ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ قَدْ نَقَلَهُ عَنْ اللُّغَةِ أَوْ زَادَ فِيهِ بَلْ الْمَقْصُودُ أَنَّهُ عَرَفَ مُرَادَهُ بِتَعْرِيفِهِ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَمَا كَانَ الْأَمْرُ؛ فَإِنَّ هَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ ".ا. هـ.

النقطةُ الثانيةُ:

بعد التقرير الذي جاء في النقطةِ الأولى، نأتي على نقطةٍ أرى أنها من الأهميةِ بمكانٍ، ولها صلةٌ بإطلاقِ لفظِ " العاشقِ " على النبي صلى اللهُ عليه وسلم وهي: قولُ القائلِ: " إني أعشقُ اللهَ " أو " قلبي عاشقٌ للهِ "، بمعنى إطلاقُ لفظِ العشقِ في حقِ اللهِ.

لقد تكلم علماءُ الأمةِ على هذهِ المسألةِ، وبينوا حكمها، وسأكتفي بنقلِ نصوصهم فيها.

قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ – رحمهُ اللهُ – في " مجموعِ الفتاوى " (10/ 130 – 131): " وَالنَّاسُ فِي الْعِشْقِ عَلَى قَوْلَيْنِ: قِيلَ إنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِرَادَاتِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ.

وَقِيلَ: مِنْ بَابِ التَّصَوُّرَاتِ، وَأَنَّهُ فَسَادٌ فِي التَّخْيِيلِ، حَيْثُ يَتَصَوَّرُ الْمَعْشُوقُ عَلَى مَا هُوَ بِهِ، قَالَ هَؤُلَاءِ: وَلِهَذَا لَا يُوصَفُ اللَّهُ بِالْعِشْقِ وَلَا أَنَّهُ يَعْشَقُ؛ لِأَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ وَلَا يُحْمَدُ مَنْ يَتَخَيَّلُ فِيهِ خَيَالًا فَاسِدًا.

وَأَمَّا الْأَوَّلُونَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يُوصَفُ بِالْعِشْقِ فَإِنَّهُ الْمَحَبَّةُ التَّامَّةُ؛ وَاَللَّهُ يُحَبُّ وَيُحِبُّ، وَرُوِيَ فِي أَثَرٍ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ: " لَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ يَعْشَقُنِي وَأَعْشَقُهُ "، وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ الصُّوفِيَّةِ.

وَالْجُمْهُورُ لَا يُطْلِقُونَ هَذَا اللَّفْظَ فِي حَقِّ اللَّهِ؛ لِأَنَّ الْعِشْقَ هُوَ الْمَحَبَّةُ الْمُفْرِطَةُ الزَّائِدَةُ عَلَى الْحَدِّ الَّذِي يَنْبَغِي، وَاَللَّهُ تَعَالَى مَحَبَّتُهُ لَا نِهَايَةَ لَهَا فَلَيْسَتْ تَنْتَهِي إلَى حَدٍّ لَا تَنْبَغِي مُجَاوَزَتُهُ ".ا. هـ.

والأثرُ الذي أوردهُ شيخُ الإسلامِ سيذكر ابنُ القيمِ الحكمَ عليه عند النقلِ من " روضةِ المحبين ".

ونقلَ في " الفتوى الحمويةِ الكبرى " – وهي ضمن مجموع الفتاوى (5/ 80) – عن أبي عبدِ اللهِ محمدِ بنِ خفيفٍ في كتابهِ الذي سماه " اعتقاد التوحيد بإثباتِ الأسماءِ والصفاتِ " ما نصه: " وَإِنَّ مِمَّا نَعْتَقِدُهُ تَرْكُ إطْلَاقِ تَسْمِيَةِ " الْعِشْقِ " عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِاشْتِقَاقِهِ وَلِعَدَمِ وُرُودِ الشَّرْعِ بِهِ. وَقَالَ: أَدْنَى مَا فِيهِ إنَّهُ بِدْعَةٌ وَضَلَالَةٌ وَفِيمَا نَصَّ اللَّهُ مِنْ ذِكْرِ الْمَحَبَّةِ كِفَايَةٌ ".ا. هـ.

وقالَ الإمامُ ابنُ القيم – رحمهُ اللهُ – في " إغاثةِ اللهفان " (2/ 133): " ولما كانتِ المحبةُ جنساً تحتهُ أنواعٌ متفاوتةٌ في القدرِ والوصفِ، كان أغلبُ ما يُذكرُ فيها في حقِ اللهِ تعالى: ما يختصُ بهِ ويليقُ بهِ، كالعبادةِ والإنابةِ والإخباتِ، ولهذا لا يذكرُ فيها لفظُ العشقِ والغرامِ والصبابةِ والشغفِ والهوى، وقد يذكر لها لفظُ المحبةِ كقوله: " يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَه [المائدة: 54]، وقولهِ: " قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ " [آل عمران: 31]، وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّه " [البقرة: 165] ".ا. هـ.

وقالَ ابنُ القيمِ أيضاً في " طريقِ الهجرتين " (ص 537) في فصلٍ لهُ عن جوازِ إطلاقِ الشوقِ على اللهِ: " والصوابُ أنهُ يقالُ: إطلاقهُ – أي الشوق – متوقفٌ على السمعِ، و لم يرد به؛ فلا ينبغي إطلاقهُ، وهذا كلفظِ العشقِ أيضاً، فإنهُ لم يرد به سمعٌ، فإنهُ يمتنعُ إطلاقهُ عليهِ سبحانهُ، واللفظُ الذي أطلقهُ سبحانهُ على نفسهِ وأخبر بهِ عنها أتمُ من هذا و أجلُ شأناً، هو لفظُ المحبةِ ... وهكذا المحبةُ وصف نفسهُ منها بأعلاها وأشرفها فقال: " يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَه [المائدة: 54]، " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير