تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

المثال الثاني: رواية (الخبز الحافي) لمحمد شكري، وهي سيرة ذاتية يصور فيها مدينته وكأنها ماخور كبير تكثر فيه البغايا وينتشر فيه الشذوذ بأنواعه والخمور والمخدرات وكل آفة ورذيلة، فلا نستغرب بعدها الإحتفاء الغربي في ترتجمتها ونشرها وترويجها لأكثر من لغة، كما لا نستغرب صدور الرواية من رجل ملأ حياته بالفسق والفجور والضياع باعترافه هو!. فلا مناص لنا إلا أن نعترف بأن الرواية لها قيمة فكرية وأخلاقية أوسع من كونها تقدم أدباً نثرياً، فقد أدرك الغرب ذلك وسعوا في ولوج هذا الباب لنشر الأفكار والمعتقدات والقيم والأخلاق، ومن ذلك قدمت هوليوود فيلماً يتحدث عن اثنين من رعاة البقر الشاذين،فسطر المؤلف قصة محبوكة،وقام المخرج والممثلون بتصوير ذلك بصورة إيجابية تدفع المشاهد الى التعاطف اللاشعوري معهم، وقد بينت دراسة في مجلة (النيوزويك) أن هذا الفيلم كان سبباً لتغيير رأي كثير من الناس في الشاذين جنسياً. أمَا آن لنا أن نتساءل أين دور الرواية الإسلامية في غمار هذه الفوضى الروائية؟؟

لقد أدرك ذلك الهمّ الأدبي نفر مبارك من أبناء الإسلام الغيورين، ففزعوا لصد هذا الشنئان الآثم على عقيدة المسلمين وأخلاقهم، وبذلوا في ذلك جهداً يُسطر لهم بأروع البيان وأحسن الذكر، امتشقوا اقلامهم لإيجاد بديل يعطي صورة نقية، ويهمس في أذن كل كاتب متشدق بأدب الرواية المتحللة من الفضيلة، ليقول له: ليس الأدب حكراً عليكم أنتم معاشر أشباه الأدباء وأقزام الكتابة!. فنهض في ذلك نجيب الكيلاني، وقدم أدباً روائياً يحتوي على جمال المضمون ووفرة العاطفة، وبراعة الأسلوبية، ليحقق في ذلك عناصر الرواية الناجحة، وناصفه الهمّ الأديب علي أحمد باكثير، فأبدع في الصياغة الأدبية، وأحسن في اختيار المضمون إذ أثبت للأدب المناوئ للإسلام أن التاريخ الإسلامي مادة ثرّة في الصناعة الروائية.

إن للقصة في حسّنا الإسلامي سابقة أثر، فهذا القرآن الكريم، مليئ بالقصص، ضربها الله تعالى وقصّها لتكون في أخذها وفهمها عبرة وعظة، ولم تكن قصصاً عبثية يراد بها التسلية وإضاعة الوقت، بل هي وسيلة من وسائل الدعوة والتربية، أرأيت الى قصة يوسف وامرأة العزيز في كتاب الله؟ عمّ تتحدث؟ أليست تتحدث عن هبوط امرأة تراود فتاها عن نفسه، وتدعوه دعوة جاهرة الى ارتكاب الفاحشة معها؟ فكيف تناولها القرآن؟ هل تناولها لتلذيذ القارئ أو السامع بلحظة الهبوط كما تفعل الفنون الهابطة ورايات الرذيلة التي تملأ الساحة اليوم على اتساع الأرض؟ وما اللقطة الأخيرة فيها، التي تترك الأثر الباقي في النفس؟ أهي لحظة هبوط أم لحظة الارتفاع والعودة الى المستوى النظيف الشفيف اللائق بالانسان؟

وما كانت قصص القرآن إلا مثالاً للجمال التعبيري والبلاغة وحسن الشكل (نحن نقص عليك أحسن القصص)، وعلاوة على أن القصص القرآني يقدم الحدث التاريخي يقدم أيضا تفسيراً مدهشا لحقائق الحياة في جانبيها المشهود والمغيَّب فيسمو بقارئه الى الأفق، وأيضا أدرك الرسول صلى الله عليه وسلم بحسه النقي وحكمته النبوية أهمية القصص وأثرها في تثبيت المفاهيم الإسلامية في عقول المؤمنين وقلوبهم، فقصَّ قصصاً على قصرها وقلة تفاصيلها إلا أنها تتمتع بخصائص وسمات القصة القصيرة المعاصرة.

وعليه لابد من استنهاض الرواية الإسلامية لتحلّ محل الروايات الفضائحية وروايات الغرام المكشوف، وذلك بإلقاء المسؤولية على عاتق كل أديب يحمل همّ الإسلام ويذود عن عقيدته وأخلاقه، لينشر أدباً روائياً نقياً من الإبتذال وسليماً من الخلاعة والمجون.

إن المتابع للحركة الثقافية في عالمنا العربي ليدرك أهمية الرواية كأداة من أدوات الدعوة، وكيف يجب توظيفها أحسن توظيف، بل لا أجد تحرجاً لو قلت إن الرواية الإسلامية هي أفضل بديل للرواية العالمية المعاصرة، لا لأنها تقدم الإسلام وعقيدته وشريعته بأفضل صورة وأكمل وجه بل لأنها تقدم قيماً انسانيةً عالية ترتفع بالقارئ الى فكر مستنير وسلوك قويم، يطمح إليه كل ذي فطرة سليمة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير